تخصص السعودية نحو 60 مليار ريال سنوياً، لتطوير المشاريع الصحية، وما يرتبط بها من خدمات أساسية. يأتي ذلك تزامناً مع التوقعات العلمية بازدياد تفشي الأمراض والأوبئة، وفقاً لخبراء في مجال الصحة والبيئة، حيث يتوقعون أن تشهد الفترة حتى العام 2030 زيادة في عدد الوفيات، جراء الإصابة بالأمراض المزمنة، وأمراض القلب والسرطان والإيدز. مع توقعات بأن تنخفض الوفيات الناتجة عن حوادث السيارات، مؤكدين في الوقت نفسه أن "العقدين المقبلين يحملان تحديات كبيرة على المستوى الصحي"، فيما حذر آخرون من خطر الأمراض التي تصاحب العولمة، بحسب مؤتمر طبي عقد بدولة الإمارات، في يونيو الماضي. وهو الأمر الذي يجعل الاهتمام بقطاع الاستثمار الطبي ضرورة ملحة، خصوصا مع تزايد الإنفاق الحكومي من جهة، والأمراض من جهة أخرى.
سوق واعد
في أبريل من العام الجاري، صدر تقرير عن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، حمل عنوان "المناخ الاستثماري في مدينة الرياض"، توقع أن تشهد العاصمة السعودية تناميا في حجم الفرص الاستثمارية بالقطاع الصحي، خلال الفترة القادمة، في ظل بدء تطبيق نظام التأمين الصحي التعاوني في المملكة، وسط تفعيل لاستراتيجية الرعاية الصحة الشاملة في البلاد. وحدد التقرير فرص الاستثمار، في المنشآت الطبية التي تقدم الخدمات العلاجية والتشخيصية للمرضى، وشركات التأمين الصحي التعاوني، لافتا إلى أن استراتيجية الرعاية الصحية الشاملة، ستتمخض عن سلسلة من الفرص للمستثمرين المحليين والأجانب، في مجالات كثيرة. وأشار التقرير إلى أن "الفرص ستتكاثر أمام المستثمرين في مجالات المعدات الطبية، وخدمات الرعاية الصحية، والصناعات الدوائية، والإدارة، والاستشارات"، بالإضافة إلى "تأسيس وتشغيل وسائل الرعاية الصحية المتنوعة".
تنام مطّرد
فيما أشارت دراسة حديثة، إلى أن الاستثمارات في مجال الرعاية الصحية في دول المنطقة، ستصل إلى 50 مليار دولار حتى عام 2020، مقدرة نسب النمو في القطاع بـ15 % سنوياً، مما يحوله إلى أهم قطاع استثماري خلال السنوات المقبلة، ولاسيما أنه حقق نسب نمو جيدة خلال الفترة السابقة من عمر الأزمة المالية، في الوقت الذي تشير فيه دراسات أخرى، إلى أن الإنفاق على هذا القطاع سيرتفع بحلول العام 2018 ليصل إلى 24 مليار دولار.
حثٌ وتحذير
من جانب آخر، حذر المدير العام للمجلس التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لمجلس التعاون الخليجي، الدكتور توفيق خوجه، من "التأثير السلبي للعولمة على دول مجلس التعاون الخليجي"، مطالبا بالتوسع في استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وزيادة الاستثمار والأبحاث الطبية، والتعاون الإقليمي والعالمي في هذا الشأن، وتفعيل الاتفاقيات الدولية، للاستفادة من التقنية والأبحاث العلمية الطبية، في الدول المتقدمة.
وحث الدكتور خوجة حكومات دول مجلس التعاون على "الاضطلاع بدورها في تعزيز القدرات الصحية خصوصاً، وإلى الاهتمام بالعاملين في الحقل الطبي، وتعزيز النظام الصحي، الذي يتعامل مع الأمراض الطارئة، التي تنتقل عبر الوبائيات، أو التي تنتج عن الكوارث الطبيعية ومنها السيول". وهو التحذير الذي أطلقه في منتدى جدة الأخير، هذا العام.
وفي سياق متصل يشير الموقع الرسمي لـ"منظمة الصحة العالمية"
http://www.who.int، في توصياته لحكومات العالم، بضرورة "زيادة الموارد العالمية والوطنية، من أجل تدريب العاملين في مجال الصحة العمومية، بالنهوض والترصد، وبناء وتحسين القدرات المختبرية، ومواصلة حملات الوقاية، والعمل على تقدمها".
توظيف الاستثمارات
الرئيس التنفيذي لمجموعة «أتيك» للتقنيات المتقدمة، محفوظ محمد أحمد الشحي، اعتبر أنه في ظل الاهتمام المتزايد بالاستثمارات الصحية يجب "البدء في البحث عن بيوتات خبرة متخصصة في مجال الرعاية الصحية، سواء في إعداد الدراسات العلمية، أو بناء المستشفيات، أو المعدات الطبية والتقنية، التي تستخدم في هذا المجال، حتى تتمكن المنطقة من التوصل إلى مستوى متقدم من الخدمات الطبية، ومعرفة المكان الأمثل لتوظيف هذه الاستثمارات".
وأشار الشحي إلى أن الحاجة ملحة في الوقت الحالي للاستثمار في الرعاية الصحية، وليس فقط مجال الأجهزة أو المعدات الطبية فقط، وإنما أيضاً التوسع في بناء المستشفيات المتخصصة، لتحول بالتالي دون السفر إلى الدول المتقدمة لتلقي العلاج، وإنفاق المبالغ الكبيرة، لاسيما أن دول مجلس التعاون تعد من أكثر الدول عالمياً، في نسبة الإنفاق على القطاع الصحي.
دعوات للانفاق
ولتطوير القطاع الصحي والنهوض به، دعا عميد كلية الطب بجامعة "الفيصل" الدكتور خالد مناع القطان، السعودية ودول الخليج إلى "إنفاق المزيد على القطاع الصحي"، مشيراً إلى أن 6% من إجمالي الناتج الوطني في السعودية ينفق على الصحة، تحت مظلة وزارة "الصحة"، فيما ينفق من 8 إلى 10% من الدخل على الرعاية الصحية للأفراد والأسر، خاصة في الإنفاق على علاج الأمراض المزمنة والمعدية. وطالب القطان بمزيد من الإنفاق على العلوم الصيدلانية والبحوث الطبية، وأضاف "أن الانتعاش الاقتصادي سوف ينعكس ايجاباً على الرعاية الصحية في المملكة، ودول الخليج، التي تنفق مجتمعة 20% من الدخل على التعليم والتدريب الطبي، وتخريج الكوادر التي تعمل في المجال الصحي بصفة عامة".