يقع بعض الأطفال في المدارس والنوادي وتجمعات الأطفال بين أيادي أقرانهم ممن يتميزون ببنية جسمانية قوية، وتكون النتيجة تعرض الأطفال إلى إساءات لفظية وجسدية.

هذا ما أطلق عليه علم النفس "التنمَر" أو "التأسَد" أو "الاستقواء"، الغريب في الأمر إن ضحايا هذه الممارسات يكونون غالبا من الأطفال الذين يشكلون مجموعات تقوم بالتسلط على الأطفال الآخرين، والتهكم عليهم وتهديدهم وإهانتهم، وقد يصل الأمر للتحرش بالأطفال.

تقول خديجة حسين (معلمة بالمرحلة المتوسطة) إن لديها ابنا يدرس في الصف السادس، ويتظاهر دائما بأنه الأقوى بين أقرانه، وأنه صاحب بنية جسمانية قوية، وقد تحول بالنسبة لها إلي مشكلة يومية، وأثر ذلك على مشاعره ودراسته، تقول "على الرغم من كثرة نصحي له بترك ذلك الأمر، إلا أنه رفض الاستجابة لي، بالإضافة إلي أنه لم يعد يخشى تأديب الأساتذه له، وقد دفعه ذلك إلي تكوين مجموعة من أقرانه ممن يشابهونه في هذا السلوك هدفها التحرش بزملائهم الضعفاء، والاستهزاء بهم أو ضربهم أو سرقة حاجاتهم، وإطلاق التسميات المضحكة عليهم، بالإضافة لجعلهم يقومون بالواجب الدراسي عنه، وهو لا يعبأ بشكوى بعضهم للإدارة".

وعلى النقيض تقول أم أحمد إن ابنها من الشخصيات المعرضة دائماً للمهانة من زملائه بالمدرسة، وهو يذوق مختلف أنواع الإذلال والعذاب دون أن يحرك ساكناً وقد تسبب ذلك في أن يكون انطوائياً منزويا.

أما أم حسن فتشير إلى أن ابنها الطالب بالصف الرابع الابتدائي كثير التظاهر بالمرض، فكلما اقترب موعد الدوام الصباحي بالمدرسة ادعى المرض، كي يتجنب الذهاب للمدرسة، ويبقى على سريره منطويا وفاقد الرغبة في التحدث، وبعد سؤاله اعترف أن هناك من يضايقه ويسخر منه من زملائه في المدرسة، بل يقوم بإهانته أمام الجميع، فأخبرت والده الذي ذهب على الفور لمدرسته وحل الأمر، وعاد ابني كما كان سابقا".

ويقول عبدالله الحربي (مدير مدرسة ابتدائية) " كثيرا ما نواجه أطفالا شرسين عنيفين لايهابون التوبيخ ولا التأديب، ولا أخفيك أننا في بعض المرات نواجه صعوبة في بعض المواقف، لكن يجب التأكيد على دور المعلم في حل وإدارة النزاعات، كونه القدوة المعرفية والتربوية، بالإضافة لقربه أكثر من الطلبة، فأنا ألزم جميع المعلمين وأذكرهم بأن الطلبة أمانه في أعناقهم.، مع التركيز على دورالمرشد الطلابي، لدوره المهم في دعم الطلبة، وحل المشاكل التي تعترضهم".

من جهته أوضح الأستاذ المساعد بكلية الطب بجامعة جازان واستشاري الطب النفسي الدكتور رشاد السنوسي أن المشاهد بالمجتمع المدرسي وجود ظاهرة التنمر، سواء أكان جسديا أم نفسيا أم جنسيا.

ويشير إلى أن التنمر الجنسي الأكثر انتشارا، ومن أسبابه وجود شخصيات أكبر سنا وأضخم عضليا، وهذا مايجعلهم يعتدون على الأقل منهم في ذلك، خاصة مع انعدام الرعاية الأسرية، من قبل عائلاتهم، وعدم وجود أنظمه وقوانين رادعة لمثل هذه المظاهر في المدارس.

وأشار الدكتور السنوسي إلى أن من المعروف والثابت علميا أن مايمارس ضد هؤلاء الأبرياء والضحايا من صور الإذلال والقهر تكون له آثار قصيره وبعيدة المدى، القصيرة تتمثل في مزيد من الانطواء النفسي والتوتر المستمر والشعور بالنقص والسرحان والشرود الذهني الذي يؤثر على أداء هؤلاء الصغار دراسيا" واجتماعيا.

وعن آثار المدى الطويل قال إن الدراسات تشير إلى أن هذا الإيذاء والعنف يؤديان لتغيرات عضوية فعلية في التركيبة الأساسية للدماغ، وفي الأداء الوظيفي للجهاز العصبي، ويجعل هؤلاء أكثرعرضه من غيرهم للاضطرابات النفسية والشخصية.

وأكد الدكتور السنوسي على وجوب عدم التهاون عند ملاحظه شيء من ذلك لدى الصغار ، سواء كانوا أبناء بالمنزل او أطفالا بالمدارس، والسعي لوقايتهم من الأساس، وعلاجهم، وحمايتهم وتأهيلهم إذا حصل لهم ذلك.