يقول الزميل رئيس تحريرنا الأسبق، طارق إبراهيم، وهو يصف كاتباً راحلاً من أصدقائه بالأمس: إنه كان شجاعاً جريئاً في زمن كانت فيه الكتابة عن حفرة في الشارع تتطلب مقدمة طويلة للثناء على رئيس البلدية. كأنني بالزميل العزيز يشير إلى تقدم جوهري في معايير الجرأة والشجاعة في الطرح الإعلامي ما بين زمنين. هو على حق كامل ولكن في نصف المعادلة. جرأة الزمن القديم على محدوديتها كانت ترتعد لها فرائص المسؤول، أما شجاعة الطرح الكاملة اليوم، فلعلها تشجع المسؤول على أن يستعمل أوراق صحفنا سفرة منزلية وهو يأكل – الكبسة – فوق صورنا ثم يرمي بشجاعة بقايا – الشجاعة – التي نحن عليها في كيس القمامة. ولكي تتأكدوا من نجاعة المعادلة أجيبوني على هذا السؤال: هل استطاعت الصحافة المحلية خلال العقد الأخير من الزمن أن تطيح بمسؤول واحد، من أي وزن كان؟ وهل تستطيعون أن تكتبوا تحت هذا المقال اسماً واحداً كان ضحية لسلطة الصحافة؟... كل هذا الجواب المخيف رغم أن العقد الأخير قد شهد كل فضائح الفساد والتسيب الإداري. ومن يقرأ صحفنا في شهر واحد فسيظن أن – الجرأة والشجاعة – ستكنس آلاف المكاتب وتطيح بآلاف الكراسي في بدء الشهر الذي يليه. ما هي أهم عشر قضايا إدارية فاحت لها الرائحة في العام الأخير؟ ثم تتبعوا صعود أو هبوط سدنة الأهرام الإدارية في قلب هذه الفضائح العشر وستكتشفون أنكم خلفهم تصعدون إلى الفوق. اليوم، تفتح البلدية حفرة هائلة وتقفل بها شارعنا منذ ثلاثة أشهر وكلما ذهبنا بشكوانا إلى المسؤول البلدي ازداد جبروته أن يتركها لشهر جديد. وقبل شهر صافحني أحد مسؤولي مدينتي بأطراف أصابعه وهو يقول إننا نكتب عما لا نعرف، ثم سرد لي بعض المشاريع وأنا أتحداه أن يبرهن عن واحد منها بطوبة على الواقع إلا من الخيال، وفوق هذا سأعتزل الكتابة وسأستقيل من عملي بالجامعة إذا أثبت ذات المسؤول الرفيع كلمة واحدة من الرهان. صار من المؤسف بمكان ألا يعرف المسؤول حتى تفاصيل إدارته أو مشاريعها وفوق هذا يجادل حولها في المجالس العامة. ويؤسفني أخيراً أن الصحافة والكتّاب لا يدركون المعنى اللغوي لـ(السلَّم الوظيفي) وأن السلَّم نفسه يعني الصعود مهما كان الخلل أو الفضيحة. اكتبوا الفضائح التي تعرفونها ثم اكتبوا حولها أسماء أهلها وأين ذهبوا بعد كوارثهم الإدارية.