بداية لا بد أن أقول: إن هذا المقال لا أعني به أزمةً معينة، بل هو مقال عن الأزمات بعمومها، التي قد يشتكي منها (بعض) العلماء والدعاة والمرشدين. علماً بأن الأزمات التي سآتي على ذكرها هنا هي أي خطر اجتماعي أو ثقافي قد يعانون منه، كما أن إدارة الأزمات أعني بها كيفية السيطرة على هذه المخاطر. وللمضي قدماً في هذا الأمر لا بد أن نتفق على أن من أهم خطوات إدارة الأزمات حصر مظاهرها. ومظاهر أزمة بعض من عددتهم ـ ولا أمانع أن أكون منهم ـ متعددة، ومن أهمها تعبئة عوام الناس، وشحنهم نفسياً بسبب ما يرونه من الاجتهادات العفوية والفرعية الخاصة، وبسبب اعتمادهم في غالب أحكامهم على شخصنة الأمور ـ الشخصنة هي الحكم على الأمور من خلال الشخص المنسوبة إليه، وليس من خلال مضمون فكرته ـ . وضعف فهم وتحليل قراءتهم للواقع المحيط بهم، وغرقهم في الأمور السلبية فقط، وغض أبصارهم عن الأمور الإيجابية، وترفعهم عن الواقع المعاش، واستهدافهم في دروسهم للطبقات المخملية، واقتصارهم في مواعظهم على الدوائر الدعوية التقليدية، وعدم استيعابهم بشكل واضح للمستجدات المحيطة بهم ـ أكرر مرة أخرى أن الأمر هنا لا أعني به كل من ذكرت ـ .
أزماتنا إذاً كدعاة وعلماء ومرشدين متعددة الجوانب والأطراف. ومن الخطأ أن نحصرها في جانب واحد أو في مظهر واحد؛ غير أني أستطيع أن أعلن أن السمة الغالبة في الأزمات المذكورة ـ وللأسف ـ هي سمة الأخطاء الفردية. والسؤال الذي يفرض نفسه بنفسه، هو هل هناك حل؟ والجواب: نعم، ولكن بتقسيم الحل إلى قسمين هامين؛ حلول عامة، وحلول خاصة. الحلول العامة تتلخص في أن نطلب من العلماء مزيداً من المراجعة الواسعة والشاملة للصبغة الدينية العامة، وتحويل هذه الصبغة من لغة التشدد والتزمت، إلى لغة التيسير والتسهيل، ومن الأحادية والانفراد، إلى التعدد والتنوع. وتوسيع دائرة الكفاءات المتخصصة ـ ليس عيبا أبداً أن يشاور الفقيهُ الطبيبَ أو المهندس أو القانوني ـ . أما الحلول الخاصة فتكاد تكون محصورة في عدم ترك الاستعانة بالله ـ سبحانه وتعالى ـ من قبل ومن بعد، وفي توسيع نطاق المشاورة مع كل صاحب تخصص، وفي التفاؤل وعدم التشاؤم؛ لأن النظرة السلبية تعوق التفكير السليم، وحس التفاؤل يعني استخدام القوى الإيجابية الكامنة في النفس.
من ناحية أخرى أذكُر وأُذكِّر أن العلماء لهم دور مهم في الأزمات، خاصة إذا علمنا أن الأزمات لا يوجد فيها شر محض، وعليهم عدم اليأس، والتحلي بالحكمة، والثقة بما يحملون، وإعادة ترتيب الأولويات، وتعميق الحوار بين بعضهم البعض، وتجاوز الخلافات المؤدية إلى تفريق الأمة، والتحذير من الفتنة؛ ومن مثيري الفتن، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ــ : "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرَّف لها تستشرفه؛ فمن وجد منها ملجأً أو معاذاً فليعذ به"ـ رواه البخاري ومسلم ـ وقوله من تشرف لها تستشرفه، أي: من خاض فيها قابلته بشرها وأهلكته وصرعته. يقول الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ في (نزهة الفضلاء: 4/1538): "ينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يشْغب بذكر غريب المذاهب؛ لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيتُ الحركة في ذلك تحصل خيراً، بل تثير شراً وعداوة ومقتاً للصلحاء والعباد من الفريقين...".