في بلادنا مساحات شاسعة غير مستغلة، رغم أن معظم المساحات ذات المواقع الاستراتيجية مملوكة لأصحابها إما بالشراء المباشر أو بالمنح. وبصرف النظر عن الملكية وموقعها إلا أن هناك مواقع لم تبع أو تشتر، ولم نسمع أنها منحت، وأعتقد والله أعلم أنها مازالت مملوكة للدولة. وأقصد على وجه التحديد الجزر السعودية الصغيرة منها والكبيرة والمنتشرة أمام شواطئ المملكة وعلى وجه الخصوص أمام الشاطئ الغربي للمملكة، وهي الأكثر والأجمل والأقوى جاذبية. ويبدأ انتشار هذه الجزر من الجنوب حيث الجزيرة الأم فرسان وما حولها من عشرات الجزر المتقاربة إلى الجزر الشمالية مروراً بجزر سواحل مدينة جدة. وهي جزر قديمة عرفها سكان الشاطئ الغربي وأبحروا لها للصيد والغوص والاستمتاع بأجوائها. ولقد كتبت منذ سنوات وتساءلت واقترحت وطالبت بضرورة استغلال هذه الجزر في مشاريع سياحية متميزة إما لإنشاء فنادق أو منتجعات سياحية متميزة أو لإنشاء كليات جامعية أو مستشفيات علاجية أومصحات طبية أو مكتبات متخصصة أو مراكز للبحث العلمي، شريطة أن يلتزم المطورون لهذه الجزر بالتطوير المخصص لها وليس لأغراض أخرى بعيدة عما خصص لها. والاستغلال السياحي قد يكون أفضل من استغلالها كمحميات. ورغم تكرار هذا الاقتراح إلا أنني لم أحظ بردة فعل أو إجابة على استفساري لمن تعود ملكية هذه الجزر؟ واجتهد البعض وصمت البعض الآخر ولم أحصل على نتيجة ولا أتوقع أن تكون هذه الجزر قد منحت لأشخاص وإن كان ذلك فهي كارثة ينبغي أن يتم تصحيحها. فالجزر هي أرض يابسة وسط البحر أمام الشواطئ أو وسط البحار والمحيطات تتبع لملكية الدول التي تقع في مياهها الأقليمية أو هي أحياناً مستعمرات للدول المستعمرة في الماضي، فالملكية في العادة للدول وحق الانتفاع للمصحلة العامة وليست للخاصة. وكم من جزر شدت لها الرحال عن طريق البحر أو الجو ومنها جزر الكاريبي وجزر البحر الأبيض المتوسط الفرنسية والإيطالية والجزر اليونانية وجزر البهاما، وفي آسيا تشتهر إندونيسيا وماليزيا واليابان والمالديف وفي أفريقيا سيشل وجزر القمر. ولا أجد ما يمنع من استغلال الجزر السعودية بالتطوير من إنشاء منتجعات سياحية تستخدم للسياحة في بلادنا. وهذا ما دفعني لطرح هذا الموضوع وما يشابهه اليوم متمنياً أن أحظى بردة فعل للإجابة عن سؤالي. وقد اجتهد البعض بالرأي بأن جميع الجزر تحت إشراف وعهدة سلاح الحدود، وهو اجتهاد في مكانه وهو المسؤول عن جميع حدود المملكة برها وبحرها، لكن السؤال مازال قائماً؛ لماذا لا تستغل هذه الجزر للمصحلة العامة ويحميها ويشرف على أطرافها سلاح الحدود؟ وتظل قضية الجزر السعودية مكان تساؤل حتى يتم تخطيطها لأفضل استخدام للمصلحة العامة وليست للمصلحة الخاصة كبناء الدور والقصور المقفلة. وهذا يدفعني إلى طرح قضية مماثلة وهي قضية أراضي الزوائد التنظيمية في العاصمة المقدسة مكة المكرمة ومدينة رسول الله المدينة المنورة، وأتساءل أين ذهبت أراضي الزوائد التنظيمية وأقصد بها الأراضي التي حول الحرم خارجة عن حاجة التنظيم العمراني وتنظيم الساحات وبناء الحرم الشريف وناتجة عن التوسعات حول الحرمين. أو هي أراضي أوقاف وعمران لا يُعرف أصحابها، وهي مساحات صغيرة لكنها ذات قيمة جداً عالية من حيث الموقع المجاور للحرمين وقيمتها لندرتها، وهي أغلى قيمة للمتر في العالم. أين ذهبت هذه الزوائد التنظيمية وهل اعتدى عليها أحد بالتملك أو الهبة أو بحق الانتفاع؟ وإذا كان الجواب بنعم فهل لنا أن نطالبهم بإعادتها أو بدفع قميتها لبيت مال المسلمين ليستفيد الجميع منها. ألم يكن الأجدى أن نبني عليها أوقافا للمسلمين، وعلى وجه الخصوص لذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين الذين يحتاجون لقرب الحرم وغيرهم من العجزة وكبار السن.
إن هذا لا ينطبق على هذه المنطقة فقط، وإنما على جميع مناطق المملكة وأخص على وجه التحديد أولئك الذين يضعون أيديهم على مواقف السيارات وعلى الحدائق العامة وبذلك يحرمون الناس من منفعة عامة وخصوا أنفسهم باستفادة خاصة.
إن ما يدفعني اليوم لطرح هذه النقاط المهمة هو توجه خادم الحرمين الشريفين لمحاربة الفساد في أي مكان في المملكة ولدى أي إنسان كائنا من كان، وإن هيئة مكافحة الفساد لا بد ألا يقتصر عملها على الحاضر والمستقبل وإنما ينبغي أن تفتح أبوابها لاستقبال فساد الماضي لإصلاحه. وعلى كل مواطن صالح أمين أن يبلغ هذه الهيئة بما لديه من معلومات موثقة وأكيدة عن فساد قد تم في الماضي وعلى وجه الخصوص على الفساد الذي يتعدى على الحقوق العامة للسكان. وأجزم بأن الهيئة ستكون حريصة على الاستماع والتأكد قبل اتخاذ أي قرار. إن الإصلاح الذي ننشده في بلادنا ليس فقط في التنظيم الإداري والتغيير الوزاري أو معالجة الروتين والبيروقراطية الإدارية وإنما الأهم هو محاربة الفساد في الماضي والحاضر ومنع حصوله مستقبلاً.
إن الصمت على الضلالة والفساد يعتبر شراكة للفاسدين من وجهة نظري الخاصة. وإن جاز لي الاقتراح في هذه القضية فإنني سأقترح على أولئك الذين استفادوا من الأموال العامة سواء كانت أراضي أو جزرا أو زوائد أو مواقف أو حدائق أو غيرها، أو حصلوا على عمولات ليست حقا لهم، عليهم إرجاعها إلى بيت مال المسلمين أو إرجاعها إلى الصندوق الذي أنشأته الحكومة السعودية لخدمة أولئك الذين أخذوا أموالاً بغير حق وأرادوا أن يتوبوا إلى الله خوفاً من عذاب الآخرة ويرجعوا الأموال إلى صندوق يصرف على الناس دون محاكمتهم أو مساءلتهم. وعفا الله عما سبق. فإن لم يفعلوا فليبشروا بعذاب الدنيا قبل الآخرة. والأمثلة قائمة على أرض الواقع.