تذكرني بعض الكتابات النسائية بوظيفة "الندابة" التي تُستأجر لاستدرار البكاء في مجالس العزاء النسائية، وهي ربما لا تدري من الميت!.
لكن هذه الكتابات تبقى على أية حال، وسيلة من وسائل الترفيه لصاحباتها، فك الله عقدهن، وفرج كربهن، وأعاد حقوقهن المغتصبة، وأركبهن سيارة لم يمس مقودها أحد قبلهن.. اللهم آمين!.
قبل ما يزيد على أربع سنوات، وتحديداً في السادس من يوليو 2007، كتبت في هذه الزاوية تحت عنوان "المرأة.. أيديولوجيا الخطاب" ما نصه: ((تتفنن بعض المجتمعات العربية في ترسيخ العادات والتقاليد مهما كانت قبيحة وغير ملائمة للعصر، ما دامت هذه العادات والتقاليد توافق الهوى الجانح نحو التسلط والاستبداد وربما الاستعباد. هذه المجتمعات التي تستهوي الوقوع تحت سلطان الشهوات، وتخضع خضوعاً تاماً لأي خطاب أيديولوجي يشبع نهمها لإعلاء الذكورة، ترى في ذل الأنثى ضعفاً يزيدها جمالاً وحياء حين تنزوي كوردة ذابلة، تستجدي يداً رحيمة وكلمة طيبة، وابتسامة في يوم عيد!. إن اعتبار المرأة كائناً غير راشد لا تؤهله قدراته لقيادة الأسرة فضلاً عن المجتمع، نظرية لا تعبّر بحال من الأحوال عن تحضر المجتمع وانسلاخه من العادات البالية، وإنما هي ردة في زمن لا يصلح فيه النظر إلى الخلف، مهما أوتي الخطاب المنحرف من أسانيد يحاول تفسيرها بما يحقق التهميش الكامل للمرأة، ومن ثم يظل الرجل هو السيد الآمر الناهي المطاع، حتى وإن كان فاقد الأهلية!، فيكفي أن يكون نوعه في "كارت العائلة" ذكراً!. الغريب أن بعض - إن لم يكن كل - الذين ينادون بحقوق المرأة في هذه المجتمعات لا يطبقون أياً من المبادئ أو حتى الشعارات التي ينادون بها على بيوتهم، وكأنهم لا يعنون بكتاباتهم إلاّ المرأة التي في "بيت الجيران"!. هؤلاء - على أحسن الأحوال - يعتبرون المرأة: أفضل ورقة تقرأ ما فيها علانية، وتلقيها سراً في سلة المهملات!، ومن ثم تظل قضايا المرأة الحقيقية رهينة خطاب أيديولوجي يكرس لعزلها عن الحياة فلا تفارق مهدها إلاّ للحدها، وخطاب آخر مغاير يدعو لإعطاء المرأة حقوقها، بشرط أن تكون هذه المرأة ليست ملك يمينه))!.
هذه كانت قراءتي لواقع المرأة وحقوقها قبل أربع سنوات، واليوم أقول: إن دفاع بعض الكتابات النسائية عن حقوق المرأة يتساوى تماماً مع دفاع أولئك الرجال الذين ينادون بإعطاء المرأة حقوقها، بشرط أن تكون ليست ملك أيمانهم!، فكلا الطرفين يبدو فاقداً للأهلية والفهم والوعي، ديدنه النفاق، وسعادته القصوى تتجلى في إعادة إنتاج دور "الندابة" من جديد!.
و... مع الأسف الشديد، إذا كانت المرأة في حاجة ماسة إلى صوت ذكوري حقيقي ينادي بحقوقها، فإنها في حاجة أمس إلى صوت نسائي يعي ما يقرأ ويعي ما يكتب – على الأقل - للتعبير عن همومها، ولكن من أين لها هذا، وإحداهن تطالب بتطوع مئات المحامين والمحاميات لرفع دعاوى على من رأى في صراخ وعويل المرأة من أجل قيادة السيارة أو مقعد في نادٍ أدبي مجرد مخاض عسير لا يتناسب وضآلة المولود/ الفأر؟!. إذن: في انتظار المحاميات أنا، أو ندابة أخرى!.