فرنسيون قضوا نحبهم من الحر بعد أن وصلت درجة الحرارة إلى الثلاثينات. بينما الأطفال يلعبون عندنا حفاة في هجير الصيف ودرجة الحرارة تداعب الخمسين بلا خجل ولا وجل! تكويننا الجسدي وفق المناخ الذي نعيشه منحنا حرية التنقل من الحر الشديد إلى البرد الشديد. ولا أنسى مشاهد الأميركيين في العراق في عز الصيف حين بدأت الحرب الأميركية على العراق ووجوههم محمرة كالطماطم من الحر اللاهب، بينما الأطفال يلعبون ويسرحون ويمرحون، وربما كان بعضهم حفاة! في هذه الأيام يخرج الموظف من عمله في الساعة الثانية والنصف ثم يتأبط الدابة وهو يستمع إلى الموسيقى مرتاحاً، ولا يتردد في الوقوف بجوار أحد التموينات لشراء الصحيفة والتبضع في عز الصيف. أجسادنا أيضاً لها خصوصية.. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم!

الحر الذي نشكو منه ليس ذلك الذي يأتي مبحراً في الدرجات الثلاثينية، فهذا يعتبر لدينا "معتدلاً"، بل جواً ربيعياً، نخشى أن نحسد عليه، وما أكثر ما نخاف الحسد! الجو الذي نأنف منه-إن أنفنا- ذلك الذي تتجاوز فيه درجة الحرارة 50، والحمد لله على نعمة "المكيفات" والتي منحتنا حرية التقلب على الأرائك والاستلقاء متقابلين في الظهيرة والهجير، إننا في نعمة بهذه الأجساد التي نحملها على أكتافنا، نعمة المقاومة للحر، وأنعم به من مقاوم هذا الجسد الصحراوي الممانع لكل أشكال التصحر، إنه جسد خاص يشترى بماء الذهب، لأنه يقاوم الاحتراق والصدأ!

الآن سيوافق شهر رمضان المبارك عز حر "أغسطس"، المسمى بآب اللهاب، وسيكون هذا الشهر حاراً للغاية، اليوم الأول من رمضان ساعات الصيام تقارب أربع عشرة ساعة، والبعض من الكبار والمسنين لا يزالون يسنون شواربهم متجاهلين احتياجاتهم الصحية، يصومون وهم يحتاجون إلى أدويةٍ أو أغذية، ويعاند بعضهم الطبيب الذي يتمنى عليهم الفطر في رمضان استناداً للضرورة الصحية التي تمنح الرخصة الشرعية، متناسين أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.

قال أبو عبدالله غفر الله له: الحر الذي نعيشه، والإجازة الصيفية ليست استثنائية في حرها، الاستثنائي هو الحر الذي كوى الأوروبيين هذا العام، وهم لم يعتادوا على الحر، فتصميم بيوتهم أساساً يندر أن يحتوي على المكيفات، لهذا فإن التحولات المناخية شكلت لهم تحدياً، المهم أن نستمتع نحن بخصوصية بنائنا الجسدي المقاوم للحر، وألا يكابر البعض في الصيام وهو عليل، وأن نحمد الله على نعمة التكييف التي جعلتنا نصبر على هذه البقعة من العالم التي يطبخها الهجير النادر كل سنة!