ينجذب حاج ماليزي يقيم هذه الأيام في المدينة المنورة إلى صوت بائع إحدى البسطات حول المسجد الحرم النبوي، وهو يصيح "بركة المدينة... بركة المدينة". ويختار هذا الحاج بعض التذكارات ليشتريها، هدية لذويه في ماليزيا، إما خردوات أو مسابح أو إكسسوارات أو سجادة مزخرفة بمنظر المسجد النبوي، أو مجسمات صغيرة للحرم.

الحاج الماليزي سيجد لاحقا أن التذكارات التي اشتراها هدية لأهله في ماليزيا هي صناعة ماليزية، وكذلك سيجد الحاج الصيني أن البضاعة المبروكة التي اشتراها من المدينة صناعة صينية، ويبدو من الغريب، بحسب رصد "الوطن" والمعلومات التي قدمها بائعو البسطات، أن معظم من ينجذبون وراء "بركة المدينة" هم حجاج جنوب شرق آسيا، وهي، بالمصادفة، الدول التي تنشط في تصنيع تذكارات الحرمين.

ويقول سعود الحربي، وهو بائع بسطات للسبح والخردوات، إن "شعوب آسيا بالذات تمتلك عاطفة دينية تجعلهم يقبلون بوضوح على شراء هذه التذكارات، بل ونلاحظ أنهم يعرفون جيدا مواقع البسطات التي تبيع التذكارات.

فيما يشير محمد المحمدي، الذي يروج في بسطته لسجاجيد مزينة بصور المسجد النبوي والحرم المكي، إلى أن "بركة المدينة" تكاد تكون المحرك الرئيسي لتجارته، ويضيف: لن يجدوا صعوبة في الحصول على مثل هذه السجاجيد في بلدانهم، إلا أن شراءها بالنسبة لهم من المدينة المنورة يعطيها قيمة إضافية حسب اعتقاد الحجاج.

وإذ لا يجد الحربي والمحمدي مشكلة في استثمار "بركة المدينة" لصالح تجارتهم، يختلف معهما سعد العلي، الناشط هو الآخر في إحدى البسطات، إذ يعتبر ربط سلعته بأي بركة هو "استغلال للحاج". ويقول: هؤلاء ضيوف الرحمن ثم ضيوفنا، ويجب علينا توعيتهم وليس خداعهم.

ويبدو واضحا أن الجدل حول "بركة المدينة" يدور حول ما إذا كان الحجاج يحرصون على شراء التذكارات من المدينة المنورة انطلاقا من عادة سياحية معروفة، أم مرتبطة بمفاهيم دينية تجعلهم يعتقدون فعلا بوجود بركة فيما يشترونه من المدينة.

ولا تعتقد الحاجة الماليزية سليمة أحمد أن الأمر لايستحق كل هذا الاهتمام، وتصفه بالعادي، وتقول: حين أسافر مع زوجي لأي مكان في العالم أحرص على جلب ما يذكرني بهذه الرحلة، إضافة إلى الهدايا لإخوتي وهي عادة شعبية لدينا، والمدينة المنورة هي أهم مكان يمكن أن يزوره ماليزي مسلم.

ويؤكد زوجها سليم منواي أنه إضافة إلى أهمية التذكارات كثقافة سياحية، إلا أن بركة المدينة أمر محسوم بالنسبة له وللمسلمين الماليزيين "وهذا أمر لا يقف عند هذه البضائع فحسب، بل كل ما في المدينة مبروك".

ويعلق على ذلك أيضا أحمد العوفي، الذي يتنقل ببسطته من الخردوات بين الساحتين الجنوبية والغربية للمسجد النبوي، ويقول: لا علاقة للموضوع بأي معتقدات شركية في رأيي، فكل ما هنالك أن ضيوف الرحمن هؤلاء لن يعودوا إلى بلدانهم بعد أن من الله عليهم بالحج وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم صفر اليدين.

ويضيف العوفي: لو كانت لدينا مصانع في المدينة المنورة تستثمر في الخردوات والتذكارات لروجنا لإنتاجها باعتبارها "بركة المدينة" ولا نقصد بذلك سوى أنها خرجت من المدينة المنصوص على بركتها، وبما أن ليس لدينا مثل هذه المصنوعات فليس بيدنا سوى الترويج لما يتم بيعه في المدينة، بغض النظر عن بلد الصنع.

من جهته، يؤكد وكيل كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية الدكتور أحمد الباكري أن استخدام هذا الأسلوب في البيع غير مشروع.

ويقول الباكري: حب المدينة وبركتها من الأمور الإيمانية ولا يجب أن تدخل في البيع وترويج البضائع, مشيرا إلى أن ذلك من الممكن أن ينعكس على الحاج الذي قد يكتشف بعد فترة رداءة هذه البضائع ويضع تصورا غير جيد عن البائعين في المدينة المنورة.