1 ـ ولئن ندمت على سكوتٍ مرة
فلقد ندمت على الكلام مرارا
إن السكوت سلامة ولربما
زرع الكلام عداوةً وضرارا.
2 ـ ربّ كلمةٍ قالتْ لصاحبها: دعني.
3 ـ إذا كان الكلام من فضة؛ فإن السكوت من ذهب.
4 ـ تخسر الدجاجة بيضتها لأنها لا تستطيع الصمت.
وتستطيع أن تضيف أكثر في هذا الباب الذهبي الذي يحمد السكوت والصمت، ويحضّ عليهما، ويحذّر من مغبّة الكلام ومن سوءة الحديث لإبراز الرأي. هي دعوة لوضع الرأس في الموضع الذي يضع فيه البقية رؤوسهم ولو كان بين "قطّاع الرؤوس".. الأمان أن يظل اللسان محبوسا بين الفكين نائما لا يتحرّك إلا على سبيل الشكر والامتنان وإبداء الموافقة والقبول وقولة: تم، سم طال عمرك، صحيح، تحت أمرك، حاضر، ماشي، ما يخالف، زين، مضبوط،… وما إليها من كلمات تحفظ للمرء شبكة أمان قويّة متينة غير قابلة للانكشاف ولا للسقوط من خروم اللسان وجروحه الأكثر حدّة من السنان.
كم هي المواقف التي تمرّ بالإنسان وتكون مصيرية. وتتحدّد بكلمة منه. لكن هذه الكلمة لا تخرج. تدور في الداخل، تطحن فيه ولا يبوح بها حتى للجدران.. يستسلم للإملاءات الخارجية، وما يريد الآخرون. وما يرتئيه، مَن يحسب أنهم أصحاب الخبرة والقول الفصل الذي لا يأتيه الباطل. وينسى أنهم بشر يصيبون ويخطئون، بل ويبالغون في الخطأ. لكن صاحبنا تجبّس وتقولب بأنهم هم "الأبخص" والأكثر معرفة ودراية منه بأمور الحياة؛ صغيرها وكبيرها.. يسلم أمره لهم، يسلم مصيره. يحجز رأيه له وحده خوفَ الزلل من كلمة، ربما، لا تكون في مكانها، أو يُساء تأويلها. ولماذا الندم؟ "خلنا كذا أحسن". والأحسن هذا يبقيه زمنا مديدا في حفرة من الماء الراكد الآسن.. يسير العالم، يتغيّر، يتحوّل، يتّخذ آلافا من الوجوه والحلل الجديدة الزاهية بزخم الحياة وتلوّنها بهبّات التغيير وبهِباتها التي يحسن "المتكلّمون المتحركون" استغلالها كأحسن ما يكون الاستغلال، إلا أن صاحبنا يلازم حفرته. فليس بالإمكان "أحسن" مما كان. وليخفّف عن نفسه؛ تكرّ من الذاكرة مسبحة الأقوال المحفوظة التي أوردنا طرفا منها أعلاه.. ولا تكفيه الحفرة وحده. هو يريد لهذه الطمأنينة والرضا والقبول أن تمتدّ وتفرّع، وتفرّخ من خلال أولاده الذين يريد لهم أن يحملوا ذات الأمانة بحذافيرها دون زيادة أو نقصان.