منذ أكثر من عشر سنوات، وتحديداً في مؤتمر الفكر العربي في القاهرة اجتمع الأمير خالد الفيصل مع نخبة من الأدباء والمفكرين المصريين، وبعد أن انتهى خرجوا ليعقدوا اجتماعات جانبية (للدردشة) وكنت أيامها على صلة وثيقة بالمفكر القومي المصري الأستاذ محمود عوض فعزمت نفسي على فنجان قهوة مع الأستاذ، وأقول عزمت نفسي، لأن الأستاذ على حساسية مفرطة من (العزائم)، فهو معروف بأنفة نفسه، وقبل ذلك معروف بفوقيته وناصريته وعداوته الشديدة للأنظمة الملكية عموماً وكراهيته لأمراء وشيوخ الخليج خصوصاً وفي مقدمتهم الأمراء السعوديون. وأثناء الجلسة قال لي "دا الراجل بتعكم أمير والله"، قلت له نحن "نعرف ذلك"، قال لا أنا أقصد أنه أمير بالمصطلح المصري. الرجل مثقف وهو يعرف عن مصر وتاريخ مصر وعن القضايا والأحداث العربية أكثر مما نعرف. وأردف ضاحكا: "دا الراجل يتكلم إنجليزي بأ" فقلت له هذا ليس أنموذجاً لأمراء المناطق في السعودية فقط، هذا أنموذج لأمراء آل سعود. فقال لي: إنه أنموذج مشرف.

وبعد ذلك بسنوات كنا في المغرب في المؤتمر الرابع للفكر العربي، وكنا في بهو الفندق مع مجموعة كبيرة من المثقفين العرب يتحدثون مع الأمير ويعبرون عن آرائهم بكل حرية فقالت لي الزميلة فكرية أحمد (مراسلة "الوطن" في هولندا)، هل أنتم في السعودية تتحدثون هكذا مع الأمير؟ فقلت نحن في السعودية نتحدث هكذا مع الملك. ومنذ سنوات قريبة ألقى الأمير خالد الفيصل محاضرته الشهيرة عن الإحباط والتفاؤل في نادي جدة الأدبي فسأله من على منبر النادي الأستاذ الصديق جميل فارسي عضو مجلس إدارة النادي: هل أتحدث معك بصفتك أمير المنطقة أم الشاعر المثقف؟ فقال بصفتي المواطن خالد الفيصل.

ثم عبر الصديق العزيز عن رأيه المخالف لمحاضرة الأمير وسط دهشة الجميع، وظن الناس أن الفارسي سيصبح العدو الأول، لكن الفارسي اليوم هو أكثر من ينصف جهود الفيصل بموضوعية وصدق.

ما مناسبة هذا الكلام اليوم؟

مناسبته وقوف الأمير خالد الفيصل شخصياً على المشروعات لمعالجة مشكلات تصريف السيول بجدة الأسبوع الماضي، فهو منذ أسابيع وفي مؤتمر صحفي وعد بالعديد من المشاريع، ووعد بخطة عاجلة وخطة لمشاريع المستقبل، ثم قال "هذه مشروعات عبدالله بن عبدالعزيز وسلطان ونايف وما أنا إلا منفذ"، والمنفذ هنا هو خالد في منطقة مكة، وقبله وقدوته سلمان في الرياض – الأمير سلمان ليس أمير منطقة فقط، فأنا أعتبره من القيادة العليا-، وهو محمد في الشرقية وهو بندر في القصيم وهو فهد في تبوك وهو فيصل في عسير وهو مشاري في الباحة وهو عبدالعزيز في المدينة وهو محمد في جازان وهو مشعل في نجران وهو عبدالله في الحدود الشمالية وهو فهد في الجوف وهو سعود في حائل.. كل هؤلاء هم خالد الفيصل الذي أخصه بالذكر اليوم، لأنه أكبر هؤلاء سناً، ولأنه بإجماع منهم أكبرهم قدراً ومقاماً، ولأنه الأنموذج الذي يحتذون به بصفته أخاهم الكبير في تنفيذ سياسة وتعليمات ودعم عبدالله وسلطان ونايف وسلمان.

وأنا شخصياً أعرف كل هؤلاء وأحترمهم وأقدرهم ولكني فوق ذلك أحب خالد الفيصل، ربما لأنني عملت قريباً منه جدا لعدة سنوات وعرفت كيف يعالج الأمور وكيف يستثمر الطاقات وكيف يقدر الكفاءات.

وكيف لا يشعر أحد حوله أنه الأقرب، فالجميع يشعرون أنهم الأقرب، والجميع يشعرون أنهم الأكفأ والجميع يهابونه، لأنه يستطيع بدبلوماسيته أن يقول للمقصر أنت مقصر وللمبدع المنتج أنت رائع، وفوق ذلك قادر أن يوضح متى وكيف ولماذا. قال ذات يوم: ما أحب أنا المركز الثاني، الأول أموت وأحيا به. وها هو بكل هذه القدرات يستجمع قيادته العليا وينتزع من نفوس الناس بمنطقة مكة كل ذرائع الإحباط وأسبابه. ها هو يقدم لهم الدليل تلو الدليل على محاضرته تلك عندما دعا إلى التفاؤل ونبذ الإحباط، فقد كان يعرف تلك الأيام ما هي مسببات الإحباط، لأنه كان يعرف ما لديه من دعم ومقومات لاجتثاثه والقضاء على امتداد كل تلك الأسباب. وها هي النتائج تتوالى أمام ناظر الجميع، ولكنه يقدم وقائع، ولأنه منصف مع نفسه قبل أن يكون مع الآخر دعا أبناء وبنات مكة ليرصدوا أوجه التقدم والقصور في المنطقة ويدونوها في وثيقة هي الأولى من نوعها في تاريخ السعودية الحديثة.

ويقدمها الأمير لقيادته ومواطنيه، لكي تكون دليل إدانة في يدهم أو شهادة نجاح يقرؤون سطورها البيضاء كلما دشن خالد الفيصل مشروعاً جديداً أو أعلن لهم عن انتهاء آخر أو حدثهم عن تعثرات ومشكلات تواجههم أو تواجه فريق العمل في المنطقة وعن ثالث ورابع.

خالد الفيصل لا يتحدث ولا يفعل شيئاً بصفته الشخصية، فذلك شأنه في الفكر العربي وفي قصائده ومقالاته، أما هنا في منطقة مكة المكرمة فهو يفعل كما يفعل بقية إخوانه أمراء المناطق، وهم جميعاً ينفذون ما تقوله القيادة وما تريده، ولهذا السبب، فالسعودية كما ترونها اليوم ورشة عمل لا تهدأ. التنمية شاغلتها وكل هؤلاء الأمراء يقولون ما قاله والدهم ووالدنا جميعاً " نحن هنا خدم لكم".