أطلق زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، مؤخراً حملة تهدف لنزع الشرعية عن «المحكمة الخاصة للبنان» بعد تقارير أكدت أن المدعي العام دانيال بلمار ينوي توجيه لوائح اتهام ضد أعضاء من «حزب الله». وبالإضافة إلى وصم المحكمة بأنها "مشروع إسرائيلي"، أشار نصر الله إلى وجود "أدلة دامغة" بوقوف عملاء استخبارات إسرائيليين وراء اغتيال رفيق الحريري. وبعد أن أثار تساؤلات حول مصداقية «المحكمة الخاصة للبنان»، طالب بإجراء تحقيق جديد "ذي طابع غير سياسي" تسيطر عليه لبنان ويأخذ في الاعتبار الأدلة التي طرحها الحزب. وقد نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في أكتوبر الحالي تقريراً حول تطورات الوضع في لبنان وآفاق تطور الأوضاع على ضوء زيارة الرئيس الإيراني أحمدى نجاد الأخيرة إلى لبنان.
يقول التقرير إن حزب الله يسعى إلى إنهاء جميع أشكال الدعم اللبناني الرسمي لعمليات المحكمة الدولية. وقد أوضحت المنظمة أنها ستمنع مجلس الوزراء اللبناني من الموافقة على حصة لبنان من تمويل «المحكمة الخاصة للبنان» الذي حدده قرار مجلس الأمن رقم 1757 بنسبة 49% من ميزانية العمل السنوية للمحكمة البالغة 56 مليون دولار. كما طالبت الحكومة أيضاً بسحب القضاة اللبنانيين المعينين في هذه المحكمة.
وفي الوقت نفسه، كثَّف «حزب الله» الضغوط السياسية على سعد الحريري لشجب «المحكمة الخاصة للبنان» والدعوة علناً لحلها. فعلى سبيل المثال، حذَّر حليف «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه بري من وقوع "حرب أهلية" إذا لم يتم حسم القضية خلال فترة قريبة، كما أن موقع قناة "المنار" التابعة لـ «حزب الله» قال إن لبنان سيواجه " أياماً صعبة قادمة" إذا ما رفض سعد الحريري معارضة المحكمة الخاصة للبنان. ويضيف التقرير أن حزب الله كان صريحاً بإسماع صوته بصورة متزايدة في التحذير من أن أي لوائح اتهام تستهدف الجماعة يمكن أن تشعل جولة جديدة من العنف في لبنان. وقد أضافت قناة "المنار" أن الجماعة سوف تتعامل مع أي لوائح اتهام على أنها "غزو جديد" للبنان.
وفي وجه الضغط المتزايد، رفض الحريري حتى الآن التخلي عن رأيه، حيث تعهد في 29 سبتمبر بألا "يسمح لدم رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، أن يذهب سدى". لكن هناك مؤشرات تدل على أن المسرح قد تم إعداده، على ما يبدو، لمواجهة سياسية عنيفة محتملة. وهناك العديد من السيناريوهات الممكنة لتطورات الأوضاع خلال المرحلة المقبلة.
السيناريو الأول: أن يعمد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، درءاً للفتنة، إلى قبول مطالب حزب الله، والتنصل من دعمه للمحكمة الخاصة للبنان، وإنهاء تمويل لبنان لها، والدعوة لانسحاب القضاة اللبنانيين. غير أن الحزب قد لا يكون راضياً بمثل هذه الإجراءات، نظراً لتأثيرها المحتمل المحدود على التحقيق الجاري من قِبل المحكمة. فعلى سبيل المثال، بموجب قرار رقم 1757، يمكن للدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة أن تعوِّض عن أي نقص في تمويل المحكمة الخاصة للبنان عن طريق المساهمات التطوعية. وفي الواقع، أعادت إدارة أوباما التأكيد بصورة واضحة عن دعم الولايات المتحدة للمحكمة، ويبدو أنها على استعداد للسعي للحصول على مصادر تمويل بديلة إذا لزم الأمر. وعلاوة على ذلك، بما أنه قد تم تعيين القضاة اللبنانيين من قِبل الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، فهم يتمتعون بحصانة من محاولات أي مجلس وزراء أو برلمان لبناني لإزاحتهم.
السيناريو الثاني: هو أن يسعى حزب الله إلى إسقاط الحكومة اللبنانية عن طريق مطالبة حلفاء الحزب بالانسحاب من مجلس الوزراء. ويسيطر حزب الله على 10 من بين الأعضاء الـ 11 في مجلس الوزراء الضروريين لإسقاط الحكومة، ولذا فإنها ستحتاج إلى دعم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أو أحد المعينين من قبل الرئيس ميشيل سليمان (مثل عدنان السيد حسين، وهو شيعي معيَّن في مجلس الوزراء بموافقة حزب الله). وإذا نجحت هذه الخطوة فمن شأنها أن تشل المؤسسات السياسية اللبنانية، وتغرق الدولة في أزمة أخرى، وتضع حزب الله في وضع يمكِّنه من عرقلة تشكيل أي حكومة جديدة حتى يتم تقرير مصير المحكمة الخاصة للبنان.
السيناريو الثالث: هو استقالة الحريري من منصبه كرئيس للوزراء. وعلى الرغم من أن البعض أشار إلى أن مثل هذه الخطوة قد تقوي الموقف التفاوضي للحريري، حيث ستجعل من غير الممكن من الناحية السياسية موافقة أي سياسي سُني آخر على تسوية بخصوص المحكمة الخاصة للبنان، إلا أن ذلك يمكن أيضاً أن يعطي حزب الله النفوذ اللازم لمنع تشكيل حكومة جديدة كما في السيناريو السابق.
وهناك سيناريو آخر: هو قيام حزب الله بمظاهرات احتجاج في الشوارع تهدف إلى زعزعة الاستقرار وزيادة الضغط على الحكومة. وكما في الماضي، قد يؤدي ذلك إلى وقوع صدامات مع أنصار تحالف 14 آذار (مارس)، وقد يذهب حزب الله أبعد من ذلك ويحاول الاستيلاء عسكرياً على بيروت كما فعل في مايو 2008. من خلال تكرار هذا السيناريو، يمكن أن تستخدم الجماعة مخاوف نشوب حرب أهلية كقوة ونفوذ لها، حيث ستطالب بأن أي اتفاق جديد حول المستقبل السياسي للبنان يستدعي قيام تحالف 14 آذار وحلفائه الغربيين بإغلاق ملف المحكمة الخاصة للبنان، أو ربما وضعها تحت سيطرة لبنانية أكبر.
ويقول تقرير معهد واشنطن إن زيارة أحمدي نجاد الأخيرة إلى لبنان قد تشير إلى بداية مرحلة جديدة أكثر خطورة في الحملة التي يطلقها حزب الله للتأثير على مسار المحكمة الدولية. فعلى سبيل المثال، كرر نصر الله قبيل زيارة الرئيس الإيراني عزمه على "وقف هذه المحاولة الأميركية والإسرائيلية لتدمير المقاومة". ومع وجود خيارات أخرى قليلة، يبدو أن الحريري يضع ثقته في سوريا لكبح حزب الله والحفاظ على الهدوء. ورغم أن حزب الله وحلفاءه وجهوا حملة الضغط ضد الحريري، يبدو أن هدفهم النهائي يتمحور حول تحدي الدعم الدولي للمحكمة الخاصة للبنان. ويخلص التقرير إلى أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تملك نفوذاً حقيقياً على حزب الله، ينبغي عليها أن تستمر في دعم المحكمة، وترفض أي اتفاق سياسي حول مستقبلها.