بعد 112 يوما من المظاهرات والاحتجاجات ضد النظام في سورية تدخل البلاد منعطفا حاسما قد يكون الأعنف والأشرس ولكن النهائي في مباراة التاريخ.
حساسية المعركة في حماة بالذات لأنها جرح قديم غائر وندبة مخيفة من معركة شتاء عام 1982م حين دُمِّر ثلثا المدينة براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة ومات قريبا من أربعين ألفا من سكانها من الشيوخ الركع والأطفال الرضع واليتامى الخشع.
وسبب حقد النظام البعثي على مدينة أبي الفداء أنها الشوكة في خاصرته وهي رمز المقاومة. وحين خرج نصف مليون من أهليها يسخرون بالنظام فمعناه أنها الحد الفاصل بين الجد واللعب!
إذا كسروا حماة ربحوا الجولة الأخيرة من العراك، أو هكذا يخيل إليهم، وإن هزموا دالت دولة آل الأسد بعد أن تعبوا في بنائها وأكثروا من حلبها وسلخها.
ومما روى لي أخ فاضل من مشاهد تلك المذبحة من عام 1982م أن خمسين امرأة هربن إلى القبو واحتشدن في منظر لا ينسى من الرعب.. دخل عليهن أحد الأوغاد من الوحدات الخاصة فنصب المنجنيق ورشهن بالرشاش فتحولت الغرفة إلى حمام دم، أثناءها قامت أم بحماية ابنتها بجسدها الممزق فنجت الفتاة وبقيت بين الجثث ثلاث ليال عددا، ثم خرجت من القبو، وكأنها تقول يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا..
هذه القصص من الفزع الأكبر وأمثالها هي قصص يومية في حكايات الجدات للأحفاد في حماة، ومعنى خروج كل المدينة من جديد أن ما زرعه النظام القديم يحصده النظام الجديد اليوم كراهية وحقدا وتمردا وثورة..
حماة هي لعبة كسر العظم؛ فإما هلك أهلها إلى قرن آخر وإما تحرروا وتحررت معهم سورية.
ماذا سيفعل النظام من أجل تطويع أهل العاصي النهر الخالد والشعب العظيم؟
أتوقع ولمدة الأسابيع الثلاثة القادمة أولا تجويع وترويع وتعطيش لحين الهلاك أو حافة الموت، ثم اقتحام بلدة النواعير بخناجر الحشاشين وطبنجات الزعران والعيارين والحرافيش، ثم مسح المدينة من جديد بالدبابات والمجنزرات والمصفحات وربما الطيران!
ربما يفكر النظام الحالي بأخطاء النظام القديم وأنه لم يتبع القاعدة 15 لروبرت غرين من كتاب (شطرنج القوة) أن اسحق خصمك سحقا نهائيا فأي جمرة تبقى ستشعل النار وتأكل الغابة..
لقد مسحت روما قرطاج ثم حرثت الأرض حراثة ورشت الملح فوقها وهي اليوم أطلال في تونس قرطاج، وحول تيمور لنك أصفهان إلى مآذن من الجماجم، وقتل جنكيزخان أهل باميان مع القطط والكلاب والزرع الأخضر، وحمل ستالين كل الشيشان في شاحنات الدواب إلى سيبريا لمدة نصف قرن، ولربما يفكر النظام الحالي بحل نهائي للعرق الحموي فتهدأ سورية إلى الأبد وتهتف باسمه بالروح بالدم نفديك..
هل هذا ممكن ؟؟
على ما يبدو أنه ممكن، ففي البوسنة مات 300 ألف قبل أن تفكر أوروبا بعمل شيء!
وفي راوندا مات مليون فملأت الجثث الغابات أكثر من قشور الموز تحت أعين كلينتون، فلماذا لا يحدث لأهل حماة نفس الشيء؟
هل يكرر التاريخ نفسه؟ أم يحدث التحول التاريخي في سورية بعد أن تحولت كل سورية إلى حماة؟