قبل أكثر من أسبوع وأثناء تنقلي بين عدة قنوات فضائية عربية، لفت انتباهي مشهد من مسلسل مصري تعرضه إحدى القنوات المصرية.. اللافت لم يكن الحوار ولا الأبطال أو الإخراج فكلها لم تكن ذات أهمية عندي لحظتها، بقدر أهمية وجود صورة الرئيس المصري "المخلوع" حسني مبارك خلفية للمكتب الذي تدور داخله أحداث المشهد، حيث دارت في ذهني تساؤلات حول شعور المشاهدين من "ثوار مصر" تجاه المسلسل وأبطاله والقناة، خصوصا أن الأيام القليلة الماضية شهدت مظاهرات "الثورة أولا" التي تعيد إلى الأذهان بداية الأحداث التي انتهت بالإطاحة بـ"مبارك".

والمصادفة العجيبة أن الإجابة على بعض هذه الأسئلة جاءت بعد أن تناقلت الصحف والمواقع الإلكترونية خبرا عن احتمال تأجيل عرض مسلسل "فرقة ناجي عطاالله" الذي يقوم ببطولته الفنان عادل إمام، بسبب "صور حسني مبارك" التي تظهر في كثير من حلقات المسلسل بصفته رئيسا للجمهورية، وهو ما أحدث خلافا بين منتج العمل والمخرج وإمام، حول إعادة كتابة وتصوير معظم مشاهد المسلسل "دون صورة الريس" مما سيجعله تقريبا خارج حسابات العرض في شهر رمضان المبارك الذي كان هدف العرض الأول، والأهم من ذلك أن سياق العمل يؤيد سياسة مبارك والحكومة المصرية السابقة في عدة قضايا سياسية حساسة مثل التعامل مع إسرائيل.

فإذا كانت قضية صور "الريس" السابق ألغت عملا فنيا كان ينتظره الجميع بسبب شهرة بطله فقط، فإن قنوات الدراما والأفلام العربية ستكون في ورطة حقيقية خلال الأشهر المقبلة، قد تظهر بوادرها في شهر رمضان المبارك و "كله بسبب صور الريس". فكم هي المسلسلات والأفلام العربية التي مُررت على الرقابة، تحت غطاء صور "الزعيم العربي" أو مقاطع من خطاباته أو حتى تبني منهجه السياسي والفكري وحضوره في العمل، وذلك بعد أن ارتعدت يدا الرقيب، وسمح بعرض "الريس الزعيم" لا عرض العمل الرديء أو الجريء؟!

ولو افترضنا أن قاعدة "مسلسل وفيلم بدون ريس" طبقت على جميع الأعمال الفنية العربية الأخرى كالسورية مثلا، فماذا سيكون الخيار أمام القنوات الفضائية؟ في اعتقادي لن يكون أمامها سوى عرض مسلسلات على غرار "وضحى وبن عجلان" فهي المضمونة تماما، بأنها لن تحتوي على أية صورة معلقة لشيخ القبيلة، لأن "الشيخ الفارس" بشحمه ولحمه وبندقيته و"شبريته" سيكون حاضرا في جميع مشاهد العمل، وربما يقتل المشاهدين دفاعا عن "شرف القبيلة"!