شق طريقه من – المتجمد – بثلاثين درجة تحت الصفر، حتى أصبح اليوم واحداً من أباطرة العطور وشيخاً من مشايخ هذه المهنة. ومثلي تماماً، ومثل الآلاف من أبناء جيلي، عرفته يبدأ الحياة حافي القدمين، وربما دخلنا المدرسة الابتدائية ونحن لا نعلم أن الدنيا من حولنا تصنع للحياة عملة معدنية أو ورقية. وبعض الأفراد لا يغير ما بنفسه أو أهله فحسب، بل يمتد لأن يكون تغييراً اجتماعياً وإضافة لمجتمعه من حوله. وهذا الذي ابتدأ الحياة حاسر الرأس وحافي القدمين هو من يعطيه الرئيس الفرنسي جوقة الشرف برتبة فارس تقديراً لدوره الاقتصادي في حجم التبادل التجاري بين بلدين. وأكثر من هذا فإن هذا – المواطن – العصامي يفتح بشهادة صندوق الموارد البشرية بيوت ما يزيد عن 350 موظفاً سعودياً ينتشرون في أرجاء شبكته التجارية.
وأنا اليوم لا أروج للفرد قدر رغبتي في الانتصار للعصامية. قدر رغبتي أن يدرك الآلاف من الشباب على مفارق الطرق أن بالحياة نفسها آلاف الفرص المشرعة بمثل ما فيها من مئات النماذج التي عاشت ذات يوم بعيد في ظروف أسوأ حتى من نقطة الصفر. ومن المؤسف أن أسطوانة – الإحباط – تسري في الهشيم بسرعة الصاروخ على حين يسير الأمل والتفاؤل بينهم كالسلحفاة. وحتى لا يساء الفهم فإن محاكاة كل مثال ناجح قد لا تصل بك في النهاية إلى الشبه مع الأنموذج.. لا يمكن لك اليوم أن تبدأ حمالاً في بطحاء الرياض لتكون بعد غد مثل سليمان الراجحي، مثلما لا يمكن أن تكون اليوم عامل سنترال في أرامكو لتكون غداً سليمان العليان. الحياة ليست ببساطة خاتم سليمان. ولكن: لا يمكن أن تركن للدعة والخمول لأن الحياة تطلب الجهد ومزيدا من الكفاح وفوق هذا نصيبا وافرا من الحظ. هذا وطن مليء بآلاف الفرص الهائلة، وهنا ناتج محلي برقم زوجي من التريليون، ولابد لكل مثابر طموح نصيب من الكعكة. وذات مرة قال لي وافد أجنبي من هوامير السوق: إنكم لا تقدرون قيمة البطاقة السعودية التي تحملونها من الولادة حتى الموت في الجيوب. وكان يحلم طوال حديثه أن تكون هذه البطاقة في جيبه بدلاً من عشرات المفاتيح. كان يساومني ضاحكاً أن يعطيني مقابلها كل ما لديه وأن يبدأ بهذه البطاقة من الصفر.