تابعت ظهر أمس عبر القنوات الفضائية الجلسة الأولى للحوار الوطني في دمشق، استمعت إلى كلمة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، واستمعت إلى كلمة الفنان عباس النوري، واستمعت إلى كلمة الدكتورة رشا سيروب، والدكتور عماد الشعيبي، وعندما انتهت الجلسة، شعرت أنني ضيعت وقتي مثلما أن الرئيس بشار الأسد يضيع الوقت، فكل ما قيل في الجلسة هو من البديهيات التي يعرفها الرجال والنساء والأطفال في كل مكان من هذه الأرض من المسلمين والكفار.
النظام السوري، وبشار الأسد شخصياً، يعرف سلفاً كل ما دار في هذه الجلسة، يعرفها منذ أن كان طالباً في كلية الطب في تخصص العيون في بريطانيا، وهو يعلم أن حمزة الخطيب الذي مات تحت تعذيب حزب البعث السوري يعرف هذه المطالب، فمن هو اليوم الذي يجهل مبادئ الحرية والعدالة؟ لكن ليست المشكلة في أن النظام السوري يعرفها، فهو يعرفها، المشكلة في قدرته على التطبيق، فهو نظام عاجز عن التطبيق، أو أنه غير راغب في التطبيق، فلو كان يستطيع تطبيق قيم العدالة والحرية التي قالها نائب الرئيس فاروق الشرع؛ لما احتاج أن يدعو إلى مؤتمر حوار، ولما احتاج إلى قتل الناس في الشوارع، وفي محافظات سورية.
المعارضة السورية التي غابت؛ لم تغب احتجاجاً على الحوار، فهي غابت لأنها تعلم أن النظام عاجز عن تنفيذ هذه المطالب، السؤال الآن: لماذا المؤتمر أصلاً؟
إن من الواضح أن النظام السوري يريد فقط المزيد من كسب الوقت، قبل سقوطه، فهو ساقط لا محالة طالما أنه يعرف هذه القيم التي يعرفها كل الناس، ولم يطبقها نظراً لعدم قدرته على التطبيق، وسواء كان عاجزاً عن التطبيق أو غير راغب فيه، فمصيره السقوط.
السوريون الذين يموتون في حمص، وكل أنحاء سورية، لم يريدوا السلطة وإنما يريدون من يحكمهم بتلك القيم التي تشدق بها نائب الرئيس في بداية جلسة الحوار.
الشعوب العربية لم تعد بحاجة لمن يريد أن يدرسها حقوق الإنسان، وإنما هي بحاجة لمن يطبق فعلا حقوق الإنسان في حياتها، ولهذا فإن نظام بشار الأسد، المقبل على نهايته الحتمية، وغيره من الأنظمة يجب عليهم أن ينسوا دور الأستاذ الذي يريد أن يعلم تلاميذه، ويتحول إلى دور الخادم الذي يريد أن يخدم أهله وشعبه، ويطبق فيهم تلك المبادئ الربانية، والأخلاقية، والإنسانية.
إن على الأسد أن ينسى أنه فوق الناس، ويعوّد نفسه على أنه مثلهم على الأقل، فإن لم يفعل وهو لم يفعل، فسيجد نفسه أدنى منهم، فهم أعظم، لأنهم يطلبون حقاً ولا يطلبون منة أو منحة، وهذا للأسف ما لم يفهمه بشار ولن يفهمه أمثال بشار.