أكثر ما يشدني فعلا حين نزولي من الطائرة في أي دولة أسافر إليها؛ سواء في شوارعها أو أسواقها هو رؤيتي للألوان المتحركة أمامي! الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والبنفسجي و.. و..و.. طبعا ليس المقصود هنا ألوان الطبيعة الخلابة التي تتميز بها بعض الدول، أو الألوان الطبيعية لمنشآتها، بل الألوان التي يرتديها الناس في تلك المجتمعات، نساء ورجالا، صغارا وكبارا، حتى يبدو لي اللون الأبيض والأسود فقط جزءا من كل، وليس الكل في الكل! فنحن لا نرى في الغالب هذه الألوان لدينا إلا الأبيض والأسود فقط! الأبيض للرجال والأسود للنساء، وما عليك إلا أن تذهب لأي مول تسوق وترى أمامك الناس تكاد تكون متشابهة تماما ضمن هذين اللونين، فيما تحضر الألوان الأخرى المبهجة قليلا خلال ملابس الأطفال أو بعض المراهقين والشبان، وهؤلاء "ياااااحرام" حين يرتدونها كملابس تتناسب مع أعمارهم، يجدون هناك من ينظر لهم شزرا، وكأنهم خرقوا قانون الطبيعة، فمع الأسف نكاد نحارب الألوان ببسالة حين يضعهم أصحاب "الجمسات" محل الاشتباه دائما؟! فمن يتأنق هكذا يعني أنه يبحث عن "غزل" خاصة في حضرة "الكدش" و"الجينز" دون الوعي بأنها مجرد موضة وأزياء عصرية مريحة ومبهجة، فللأسف دائما ما نركز على قشرة البيضة وننسى نواتها!
أعود لموضوعي، هل فعلا السعوديون حين يسافرون يبحثون عن الألوان في حياتهم؟! قد تكون الألوان رمزية أيضا للخيارات الترفيهية التي يبحثون عنها في حياتهم، كالمسرح والسينما والمتاحف الفنية والأوبرا والموسيقى وغيرها من فنون راقية مما يسمو بالعقل والروح والسلوك، ولكن لماذا لا تكون الألوان أول هذه الخيارات التي يبحثون عنها، كونهم يفتقدونها في حياتهم خلال استخداماتهم؟! ولماذا لا؟! فقد أثبتت الكثير من الدراسات أن في الألوان طاقة، ولها تأثيرها النفسي والعقلي وحتى الجسدي على الإنسان، بل هناك من وصل بها لحد العلاج والتداوي بها نتيجة تأثيرها الكبير، وأن بعض الألوان لها قدرتها في العلاج من الأمراض وأخرى تسبب الأمراض فعلا، وهناك من العلماء من حدد ستة ألوان رئيسة للعلاج هي (الأحمر، الأصفر، الأزرق، البرتقالي، الأخضر، والبنفسجي)، ثم تطورت نظرية العلاج بالألوان لأن تكون علما قائما بنفسه، كنوع من أنواع الطب التكميلي ينتمي لوسائل التطبيب المعروفة، كما أنهم اكتشفوا بأن الألوان محفز كبير للتأثير الفسيولوجي الذي تحدثه الطاقة الكهرومغناطيسية، بحيث تؤدي إلى إفراز غدد ما تؤثر على انفعالات عاطفية معينة، مثلا الأشخاص المتعصبون دائما والذين يشعرون بالغضب حين يضعونهم في حجرة مطلية جدرانها باللون (الزهري / البمبي) الهادئ يؤدي بهم إلى الهدوء، وأيضاً طلاء جدران الفصول الدراسية باللون الأزرق الفاتح يجعل التلاميذ أكثر حيوية وانتباها، وقس على ذلك كثيرا، بل هناك من يمكن أن تعرف صفاته من خلال الألوان التي يحبها، أو مزاجه من خلال ألوان الملابس التي يرتديها، وأمور عديدة أخرى يمكن اكتشافها من عالم الألوان، فلم لا تكون الألوان فعلاً مقصد السعوديين في سفرهم؟! يكفي حين نراهم في الخارج نجدهم أكثر حيوية ونشاطا وانضباطا، والهدوء سمة من سماتهم دون التعصيب الذي نشاهده في شوارعنا، خاصة حين "يسقط أحدهم بسيارته على الآخر"، فقد ندرك أن السر يكمن في هذه الألوان و"يضع سره في أضعف خلقه"! وسفر ممتع لكم.