هل الفقر سبب الجهل أم الجهل سبب الفقر؟! استفسار طرح كثيرا، وما زال يطرح، ومع يقيننا أن الفقر وبال على صاحبه وعلى المجتمع، وأنه ليس عارا يستحق صاحبه الجلد، وهو بالمجمل ليس من صنع أهله، إلا أننا نجد من بيننا من يمتهن جلد الفقراء دون ذنب اقترفوه، يتعامل معهم كأنهم وباء استفحل شره وصعب علاجه، وأما الفقراء فقد نجد منهم الحانق الثائر، أو الرافع يديه استسلاما وكأن حالته قد بدأت لتنتهي عند النقطة البداية.

وبما أني أعتقد يقينا أن العلم من أهم الأسباب بعد التوكل التام على المولى سبحانه التي تمكن المرء من الانتقال من حالة الفقر إلى حالة اليسر، يتوجب علي حمد المولى سبحانه.. فوطني مكن أبناءه من التعليم المجاني وفي كافة المراحل العامة منها والعالية على السواء، وطن خصص -مؤخرا- مبلغ (476) مليون ريال سنوياً لدعم مؤسسة تكافل الخيرية، التي تستهدف مساعدة الطلبة والطالبات المحتاجين في مدارس التعليم العام، مؤسسة تتطلع لتحقيق الاستراتيجية الوطنية للإنماء الاجتماعي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله -، هذا ما صرح به صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس الأمناء، يوم الاثنين 18 رجب 1432هـ، كما أضاف قائلا: (إن النظام الأساسي للمؤسسة حصر خدماتها في مساعدة الطلبة والطالبات الأيتام المعوزين، وذوي الحاجة من الطلبة والطالبات، التابعين لوزارة التربية والتعليم في أكثر من ثلاثين ألف مدرسة للبنين والبنات..)، هذا الخبر مبشر بالخير، خاصة أن الأعضاء المتطوعين وهم 14 عضوا يتمتعون بمصداقية عالية ولله الحمد، ومن بينهم ثلاث نساء فاضلات معالي الأستاذة نورة بنت عبدالله بن مساعد الفايز نائب وزير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنات، والأستاذة سارة بنت محمد بن ناصر الخثلان صاحبة صالون نسائي أدبي "الأربعائيات" الدمام، والدكتورة بهيجة بنت بهاء بن حسين عزي الأمينة العامة للهيئة العالمية للمرأة ـ رابطة العالم الإسلامي، وبالتالي فمتابعة ورعاية الطالبات المعنيات وأوضاعهن الأسرية أمر متحقق بحمد الله وبشكل مباشر.

لقد أدركت الحكومة الرشيدة وعبر سنوات متتالية الضرر الواقع على التنمية الوطنية والإنسان السعودي جراء ابتلائه بالفقر، فدفعت عجلة التقدم بمحاربتها للفقر أو حتى معالجتها لبعض الأضرار المترتبة عليه، من خلال اعتمادها للتعليم المجاني في كافة مراحل التعليم العام والعالي، كما عمدت لتوفير الحياة الكريمة لكافة أبنائنا وبناتنا الطلبة، فالمكافآت تصل للطلبة والطالبات في الجامعات الحكومية، كما أن هذه المؤسسة الخيرية الجديدة لبنة نيرة في هذا الميدان الخير لبلادنا ولله الحمد.

وهنا أتساءل وأتعجب من واقعة مخزية ومحزنة في الوقت نفسه، فقد ذكر موقع "سبق" الإلكتروني أن إدارة إحدى المدارس حرمت "رنا" الطالبة اليتيمة من الالتحاق بمدرسة تابعة لأحد مجمعات البنات التعليمية الوطنية، مع علم الإدارة النسائية بقرب منزل أسرتها من المجمع، والذي انتقلت أسرتها إليه إثر وفاة والدها مؤخرا، الذي عمل في السلك التعليمي قرابة العشرين عاما، وإضافة إلى عمله مؤذنا بأحد المساجد رحمه الله، والغريب أن أسرة ابنتنا "رنا" كانت حريصة كل الحرص على تطبيق النظام إذ تقدمت بطلب الالتحاق بالمدرسة في وقت مبكر، وقبل اكتمال العدد المحدد لاستيعاب المدرسة، وبالتالي فالرفض الذي وصل إليها غير مبرر، وغير مقبول، إضافة إلى أن من قام بالرفض كان مدركا لكل الظروف المحيطة بابنتنا اليتيمة وبأن لديها أخوين كفيفين وبأن حالتها المادية بسيطة، كما أن جميع العاملين في وزارة التربية والتعليم يدركون تمام الإدراك أن النظام يعطي الطالبة المواطنة الأحقية بالالتحاق بالمدرسة القريبة من سكن أسرتها، ما دام عدد المقبولات في المدرسة المعنية لم يصل للعدد المقرر مسبقا.

وهنا أذكر من قام بإصدار هذا القرار المجحف بابنتنا "رنا" وأسرتها بالنظام الذي خالفوه صراحة، والذي يكفل لها الحق في الالتحاق بالمدرسة المعنية، كما أذكرهم بعمل وزير التعليم -التطوعي- فصاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم هو رئيس مجلس الأمناء لمؤسسة تكافل الخيرية المعنية مباشرة بأمثال "رنا"، فقد عارضوا بقرارهم هذا الهدف الأسمى الذي أسست عليه هذه المؤسسة الخيرة التي تصب عملها في الأصل في مساندة الأيتام والطلاب البسطاء أمثال "رنا"، فهذه المؤسسة لا تنحصر خدماتها في تأمين المستلزمات المدرسية للطالب والطالبة، بل تشمل تأمين بعض المواد التموينية لهم، وحاجاتهم المنزلية الضرورية، وأيضا تقوم بالتنسيق مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والمؤسسات الأهلية المتخصصة لعقد دورات مهنية وفنية قصيرة، تساعد الطلاب والطالبات في تعلم مهارات عملية تساعدهم مستقبلاً، فهل من الممكن الظن أن صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس الأمناء سيسكت عن هذا الإجحاف الذي طال "رنا" ابنة المعلم الفاضل رحمه الله وأسرتها.. وهل سيسكت الأعضاء الأفاضل عما أصابها من ظلم.. الجواب واضح، وهذا المقال ليس للإشارة إلى حالة "رنا" بارك الله بها وبأسرتها، فأنا لا أستبعد نشر خبر التحاقها بالمدرسة المعنية، بل وبتغيير الإدارة المدرسية التي لم تراع الله في هذه اليتيمة، وفي أهلها، بل لا أستبعد اتصال أحد الأعضاء في هذه المؤسسة الخيرة بأسرتها لطمأنتها بأن "رنا" وإخوانها محل رعاية خاصة من الدولة.

إن السبب الأساسي من كتابة هذه السطور هو تحذير من اعتقد أن تصرفاته لن ينالها عقاب..! وأختم حديثي بقول المولى سبحانه وتعالى: (فأما اليتم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر).