من رحم الثغرات النظامية، وحاجة الإنسان تولد حالات استغلال بشعة، وإن كانت متوقعة، وحالات استغلال البشر كثيرة ومتنوعة كتزوير البيانات ومضاعفة الأسعار، ومصادرة حقوق الآخرين، وهي أعراض لمرض اسمه (الجشع) من أجل تكديس الأموال. لا فرق بين حرام وحلال. فالجشع الذي عليه ملاك المدارس اليوم جعلهم يشغّلون عقولهم للاستفادة من أي قرار من شأنه أن يحقق رغبتهم و يزيد غلتهم، بعد أن غابت ضمائرهم، وتبخرت إنسانيتهم. فتجدهم يطاردون حتى السراب بعد أن أظلم عليهم الليل ونسوا ظلمة القبور.

قمة المأساة أن تستغل الظروف ويجدها الجشعون أرضا خصبة ليعالجوا أنفسهم المريضة، وآمالهم العريضة. معتقدين أن انتهاز الفرص لاقتناص فرائسهم هو البلسم الشافي لعلاج تلك النفوس الضعيفة التي أصبحت أسيرة المادة بعد أن تلاشت المبادئ والأخلاق. معتقدين أن المادة هي السعادة، وجمعها هو العبادة، فأصبح هؤلاء يعيشون مجتمعا ماديا.

وفي هذه الأيام وقعت في شراكهم الخريجات اللاتي يحاولن جاهدات الحصول على تعيينهن معلمات. فما كان من وزارتي التربية والتعليم والخدمة المدنية إلا أن قدمتهن وجبة شهية لملاك المدارس الخاصة بفضل احتساب الخبرة شرطا للمفاضلة أثناء التعيين، فالقراءة المستقبلية ودراسة الأعراض الجانبية قبل طرح أي قرار من الضروريات قبل اعتماده وتعميمه لئلا يترتب ضرر على الآخرين؛ لذلك احتساب الخبرة وإدخالها ضمن درجة المفاضلة دون النظر للجوانب السلبية دعا المعلمات إلى الاستسلام لبعض هؤلاء الذين اشترطوا إعطائهن شهادة خبرة فقط مقابل استثمار وقتهن وجهدهن بلا مقابل مادي إطلاقا، فلم أكن أتوقع أن إنسانا لديه الحد الأدنى من الإنسانية يقبل أن يستعمل آخر بلا أجر، علما بأن هناك العديد منهن ينتمين لأسر معدومة الحال في ظل السبات العميق الذي تغطه الجهات الرقابية. في السابق ـ الأيام الخوالي للوضع الحالي ـ ما تتقاضاه المعلمات السعوديات مبلغ لا يتجاوز الألفي ريال في القطاع الخاص وتتراوح مرتباتهن بين 1500 و2000 ريال، مخصوما منها مبالغ التأمينات الاجتماعية، مما يعني أنهن يتقاضين وهن على رأس العمل مبلغا أقل بكثير من الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين. وكان مستقبل المعلمات العاملات بالمدارس الخاصة محفوفا بمخاطر الإقالة عن العمل في أية لحظة لعدم وجود الأمان الوظيفي ما يجعلهن في قلق مستمر يمنعهن من الإبداع والتميز.

ومن ثم يؤثر سلبا في عملية النهوض بالعملية التعليمية، فكان الاستياء والتذمر والعويل والتحسر. حيث كن متأملات بتحسين الأوضاع فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فأكلن الخبز يعلوه العفن، ولا نقول إن الوضع سيء إطلاقا؛ لأن من حسنات إدخال سنوات الخبرة في المفاضلة جعل المعلمات يعشن استقرارا نفسيا، فلم يعد هناك ما يخشين فقدانه وخسارته. فهل وراء العمل المجاني شيء؟ أنصحهن بأن يحتسبن الأجر بملاك المدارس قبل الطالبات، ولا يستبعد أن يشترط أصحاب المدارس الأهلية الجهد والمادة من أجل إعطائهن شهادة خبرة.