البنوك مثل الشجر لا تنمو وتتواجد إلا على الماء. المياه التي تنمو عليها البنوك هي السيولة المالية. في السنوات الأخيرة تزايد عدد فروع البنوك الأجنبية التي تفتتح فروعا لها في المملكة. من يتجول في العاصمة الرياض يلاحظ فروعا لبنوك من دول الخليج وأوروبا وآسيا. هذه البنوك وجدت فرصتها مع انضمام المملكة لاتفاقية التجارة العالمية التي تلزم الدول الأعضاء بمعاملة البنوك الأجنبية مثل البنوك المحلية. ومن سلبيات اتفاقية منظمة التجارة العالمية أنها ركزت بداية أعمالها على تحرير تجارة الخدمات. وتجارة الخدمات تتمثل في شركات التأمين والبنوك والمحاسبة..إلخ. للأسف أن العالم العربي في هذه الصناعة متأخر كثيرا وسبقته الدول الغربية وطورت تلك الخدمات، وبالتالي فهي المستفيد من تحرير هذه التجارة.

الالتزام باتفاقيات التجارة العالمية أمر لا مفر منه. وفتح فروع للبنوك الأجنبية في المملكة توجه جيد ومن إحدى مزاياه أنه سيكسر الاحتكار الذي مارسه عدد من البنوك المحلية لسنوات عديدة وسيوجد منافسة البقاء فيها للأفضل. ولكن هناك محورا آخر يجب أن ننظر له وهو التحفظ على التوسع في فتح بنوك محلية. عمل البنوك حساس وخطير ويحتاج إلى ضبط ورقابة. ولكن بإمكاننا أن نجمع الاثنين: التوسع في فتح البنوك مع استمرار الرقابة الشديدة لضمان جودة عملها.عندما نتوسع في فتح بنوك محلية فإن الانعكاسات المالية لتلك البنوك من أرباح ستذهب إلى المواطن، بينما معظم البنوك الأجنبية التي تفتح فروعا لها في المملكة ستتحول أرباحها إلى خارج المملكة.

كذلك قد تحتاج المرحلة القادمة منا التفكير في نمط بنوك مختلف عن الموجودة حاليا. وهي البنوك الصغيرة وهذه موجودة في أمريكا وبعض دول أوروبا. والملفت للنظر أن هذه البنوك الصغيرة لم تتأثر بالأزمة المالية العالمية كما تأثرت البنوك الكبيرة. فوفقا لنائب رئيس جمعية مصرفيي المجتمع المستقلين في أمريكا التي تضم في عضويتها 8 آلاف مصرف فإن السبب في كونها (المصارف الصغرى) في وضع أفضل هو أنها أكثر محافظة في إدارتها من البنوك الأكبر ذات رأس المال الأكبر." معظم هذه البنوك تدار محليا، وتترواح أصولها بين مليوني دولار و7 مليارات دولار. ويتجاوز عمر كثير منها 100 عام ولها جذور متأصلة في مجتمعاتها.

لدينا الآن 12 بنكا محليا و11 بنكا أجنبيا بينما في دولة مثل الإمارات لديها 23 بنكا محليا و28 بنكا أجنبيا، من المهم إعادة النظر والسماح بإنشاء بنوك محلية على مستوى المملكة بل حتى على مستوى المناطق وخاصة المناطق الكبيرة والتي تتوافر فيها سيولة مالية. الميزات النسبية التي يتمتع بها النظام المالي في المملكة من ضبط ورقابة جيدة على إدارة البنوك وتوفر سيولة كبيرة يجب أن تكون نقطة الانطلاقة والداعم الأساسي للتوسع وبشكل تدريجي في إنشاء بنوك أخرى.