في أغرب اتهام من نوعه بررت أمانة محافظة جدة عجزها عن المحافظة على مستوى معين من النظافة بتحميل المسؤولية بعض السكان نتيجة ثقافتهم القاصرة مشيرة إلى أنهم يعانون تدنيًا في الثقافة الحضرية أدى إلى انتشار سلوكيات سلبية، مثل الافتراش ونبش الحاويات والرمي العشوائي للنفايات ورمي مخلفات البناء في البرحات. وفي حين استخدمت الأمانة في بيانها عبارة تعميمية فيما يتعلق بانخفاض مستوى ثقافة السكان، إلا أنها حافظت على عبارة "بعض" حين تطرقت إلى السلوكيات السلبية، قائلة: إنها تأتي "من جانب بعض السكان" ولعلها المرة الأولى التي تحكم فيها جهة تنفيذية على فئات من الناس مع أنها معنية بخدمتهم، وقائمة على تنظيف مدينتهم، كما أنها، في بيانها الصادر مطلع الأسبوع، لاحظت انخفاضا في معدلات النظافة، معتبرة أن مثل هذه الظواهر لم تعط فقط تأثيرا سلبيا، بيد أنها أساءت إلى الصورة الحضارية لجدة، وأنها متذمرة من "تدنٍ في ثقافة" بعض السكان، وأداء شركات النظافة، وقص الحاويات.
هذا البيان الثوري، إن جاز القول كسر كل الأعراف البيروقراطية، والعادات المتوارثة في آليات ومفاهيم التبرير عن الأداء الضعيف؛ إذ إنه يقذف الاتهامات إلى الجميع وكأن بين الطرفين مسافة حضارية لا يمكن تجاوزها، ولا يمكن بالتالي أن يتعايشا فإما الأمانة أو أهل المدينة لأن السكان يريدون أمانة تخدمهم والأمانة تبحث عن سكان لا يريدون خدمة!
الخبير البيئي الدكتور أسعد أبو رزيزة يرى أن وعي سكان جدة بالنسبة لمسألة النظافة ليس بالمستوى الذي يعتمد عليه في المشاركة وهذا لا يعني تعميم النظرة على جميع السكان. ويشير إلى أن المجتمع بأكمله مواطنين ومقيمين مجتمع معقد، متعدد الثقافات المختلفة وهذا جزء من المشكلة كما أن الإنسان السعودي ليس واعيا بيئيا لدرجة أن يحافظ على نظافة الشارع أمام منزله بشكل دوري ومنتظم، وهذا لا يعفي أمانة جدة من التعامل مع الموجود كما أنه لا يمكن خلق مجتمع مثالي.
يا ترى كيف سيتعامل سكان جدة مع هذه الاتهامات؟ هل سيقبلون بها صامتين، أم يتفجرون غيضا على المساس بقيمهم الحضارية والثقافية؟ وهل ستعتذر الأمانة عن قولها أم تمضي فيه معاندة؟
جدة مدينة لاتحتمل سوى الحب فإن هبت عليها شكوك الثقة وغلبت عليها الظنون السيئة فلن تكفها حاويات العالم أجمع!.