يواجه الأشخاص المتصفون بالشخصية "الحساسة" معاناة يومية وصعوبة بالغة في التعامل مع المجتمع المحيط بهم لتعظيمهم الأمور، وإعطائها اهتماماً أكبر من حجمها، مما يؤثر على حالتهم النفسية والصحية أيضاً، ويعرضهم للإصابة بأمراض كالضغط والقولون العصبي، فيما يحاول بعض أفراد المجتمع المحيطين بهم تجنب التعامل معهم لئلا تقع الفرقة بينهم.
عرَّفت الاختصاصية الاجتماعية بجامعة طيبة أمل عياد الجهني "الحساسية" بأنها أمر خارج عن سيطرة الشخص، وقالت "الشخص الحساس يتمتع بجهاز عصبي مرهف يلتقط أكثر التفاصيل دقة، ويلاحظ عليه تأثره ببعض المثيرات البيئية، مثل نفوره من الأماكن التي تتسم بالإضاءة الساطعة، أو الضوضاء مثل بكاء الأطفال، مما يولد لديه إحساسا بعدم الراحة والانزعاج، وأحيانا قد يؤدي هذا الانزعاج، إلى أن يكون سلوكه عصبيا وعدوانيا تجاه المحيطين به.
وأضافت أن الشخص الحساس يطالب دائما بمزيد من العمق في علاقاته خاصة مع الأشخاص المقربين، لكي يحصل على الرضا، وقد يدقق في عيوب وسلوكيات الأشخاص المقربين منه، لأنه بطبعه يلتقط منهم أدق الإشارات والهفوات، إضافة إلى رغبته بتخصيص وقت معين للخلو بنفسه، وذلك لفهم نفسه، والمواقف المحيطة به، وخاصة عندما تعترضه بعض الأزمات أو الضغوطات النفسية .
ويقول سعد الجهني إن "المتصفين بتلك الشخصية الصعبة التعامل – على حد قوله- يقدمون للآخرين، ويغفلون أنفسهم، ويجتهدون في سبيل إرضاء الآخرين، وعندما يتعلق الأمر بهم هم، كتعرضهم لمشكلة ما ، غالباً ما يرفضون المساعدة وقبول النصيحة".
وأضاف الجهني "الشخص الحساس شخصيته متقلبة على مدار الساعة، يتردد في اتخاذ القرار، رغم أنه يعرف أن ذلك القرار لصالحه، ولكنه يفكر بالآخرين .. هل يرضيهم ذلك القرار أم يغضبهم، ويقدم مصلحتهم على مصلحته وراحته النفسيه".
أما أم هشام فذكرت أن صاحب الشخصية الحساسة يعتبر من أكثر أنماط الشخصية معاناة، مرجعة ذلك لتركيبه النفسي وتكويناتها، وقالت إن "الحساسين" يعانون من فهم الناس لهم بأنهم أشخاص مدللون وأنانيون، وذلك لتأثرهم الواضح والسريع من أي تصرف أو عبارة، ولو لم تكن مقصودة، ويعانون من عدم فهم الناس لهم، وصعوبة تعاملهم مع الآخرين، حيث يحاسبون أنفسهم على أي تصرف أو عبارة بدرت منهم، ظنا منهم أن ذلك قد أغضب الطرف الآخر أو أنه فهم ذلك بطريقة غير سليمة".
وأضافت أم هشام "الحساسون يقضون جزءا من وقتهم في محاسبة أنفسهم وتقريعها على ما صدر منهم، وقد يؤثر ذلك على صحتهم، ومن هنا نجد أن بعضا من الناس يتجنب التعامل مع الشخص الحساس، ويسيء فهمه في الكثير من الأحيان".
ريم محمد أكدت أنها تعاني من حساسيتها المفرطة، فعندما تواجهها أي مشكلة يتوقف التفكير لديها، وتتوتر الأعصاب، وتفقد شهيتها للطعام، ويبدأ العقل الباطني لديها بالتخطيط للانتقام .
وأشارت إلى أنها تصاب حينها بالإرهاق، وقد يصل بها الأمر إلى عدم النوم ثلاثة أيام متواصلة ، وقالت إنها في لحظة الغضب تتفوه بعبارات تندم عليها بعد هدوئها ، مؤكدة أنها دائمة التفكير بما مضى من مواقف سلبية تعرضت لها، وتنظر لمستقبلها بنظرة قلق وترقب، وتوقع حدوث أسوأ الأمور لها.
هند علي أكدت أن حساسيتها المفرطة كانت سبباً مباشراً وراء إصابتها بالقولون العصبي، مشيرة إلى أنها عندما تتعرض لموقف ما أو كلمة جارحة، تبدأ مباشرة بالتفكير بها، ولا تستطيع نسيانها بسهولهة.
وأضافت أنها بالرغم من ذلك لايمكن أن تفضفض عما بداخلها للآخرين، لاعتقادها التام بأن الآخرين لن يقدموا لها الحلول، سوى أن يكشفوا مشاكلها وأسرارها فقط.
من جانبها ذكرت اختصاصية الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى الطب النفسي بالمدينة المنورة الدكتورة أمل بنت محمد الكفراوي أن "هناك الكثير من الشخصيات المختلفة، ولكل شخصية سماتها، والشخصية الحساسة تتأثر بسرعة وتعتبر كل كلمة تقال، أو أي نقد يوجه لها طعنة في الصميم، غالبا ما تكون منطوية، وتميل إلى الوحدة، وعدم التواجد في مجتمعات مزدحمة، حيث إنها ليس لديها القدره على الاندماج ومسايرة الحوار المطروح.
وأشارت إلى أن مثل هذه الشخصيات، وما تمتلكه من سمات لا يأتي من فراغ، بل هي مثل كل أنواع الشخصيات الأخرى تكون نتاج العوامل البيئية والمؤثرات الداخلية والخارجية في الأسرة والمجتمع الكثير، ومنهم من يكون ناتجا عن بيئة منغلقة، وتميل لشيء من الالتزام والقسوة في التعامل، والمساندة الأسرية تكون ضعيفة وغير مشجعة على التغيير.
وأشارت الدكتورة الكفراوي إلى أن معظم الشخصيات التي لديها مثل هذه الاضطرابات غالبا ما تحتاج لتغيير في السلوك، وعلاج نفسي يعتمد على الجلسات المتكررة والعديدة لمناقشة الأسباب والعوامل المساعدة التي لها تأثير مباشر، سواء كان هذا التأثير ايجابيا أم سلبيا.
تقول "عادة ما ننصح من يريد التغيير باللجوء لمتخصص لدراسة عمق المشكلة ومحاولة إيجاد الحلول، وننصح باتباع بعض الإرشادات، ومحاولة قراءة بعض الكتب المتخصصة، والتي تحتوى على توجيهات وخطوات واضحة ومركزة، ليستطيع كل شخص مصاب انتشال نفسه من الدوامة، حتى لا تتفاقم المشكلة وتصبح عائقا حقيقياً في الحياة" .