كنت في حلب فروى لي أحد تلامذة الشيخ النبهاني بحسرة وفاة زوجته بسرطان الثدي. كان يروي القصة وهو يظن أن مرضا مثل هذا ليس له (جارة = تلفظ الجيم معطشة مثل شارة) وهي لفظة عصملية تفيد بأن لا فائدة من أي علاج؟ وهي نفس الكلمة التي قالها الجراح لجدتي ماما ريا حين جاءها الأجل بانسداد معوي، حتى رأيت في ألمانيا في رحلة اختصاصي أن حالة مثل هذه يمكن أن تفيد فيها جراحة في نصف ساعة بتخدير موضعي وفتح شرج مضاد للطبيعة (Colostomy) ريثما يتم التأكد من السبب وإمكانية استئصاله عند مريض كبير السن لا يتحمل قلبه الجراحة والتخدير العام.

وقصة طالب العلم الحلبي الذي خسر زوجته بسرطان الثدي تكررت عن صديق عزيز علي أنجبت له زوجته عشرة أطفال سعداء نجباء ومن الجنسين وماتت وفي عمر صغير، فتعجبت ثلاث مرات؛ من موتها المبكر وإصابتها بسرطان الثدي مع أنها أرضعت عشر مرات، والأطباء يعرفون أن الإرضاع الطبيعي واق من السرطان، ولكن ليس من قانون موحد في الطب، فهناك دوما حالة طبية وليس مرضا مقننا معلبا مثل عبوات الببسي كولا، والأمر الثالث كان عجبي وعتبي على زميلي كيف ترك الحالة تتطور إلى الوضع الذي مافيه (جـارة).

وفي ألمانيا كنت أنتظر حكم القاضي أعني طبيب الأنسجة، مثل الحكم بالإعدام لمريضة مصابة بورم في الثدي، فنأخذ خزعة أي قطعة بسيطة من الورم (Biopsy) ونرسلها له، ثم ننتظر النتيجة السريعة، وكانت تسمى بالألمانية (SS) وهي مرعبة من جديد بسبب اسم الاستخبارات النازية القديمة بنفس الاسم، مع فارق أن كل حرف مشتق من كلمة مختلفة، فهنا القطع السريع، وهناك الجستابو، وكنا نرسلها لمعرفة طبيعة التنشؤ هل هو التهابي مثلا أو سرطاني.

وفي العادة فإن فحص الأشعة الخاص (المامو جرافي Mammography) لايخيب؛ فيظهر ذلك المنظر المفزع من سرطان مادا أذرعته، والسرطان سمي باسم الحيوان القشري السرطان بسبب أذرعته والمسكين الحبوب أصبح اسمه مكانا للرعب.

وكانت الجراحة القديمة مشوهة ولكن لا مفر منها لإنقاذ الحياة، ولكن الطب ضرب ضربته وهو يعرف عن طبيعة سرطان الثدي اليوم الكثير وعلاجه الأكثر، فيمكن مسكه في أول مراحله وحرقه تماما واستئصاله بدون تشوهات وتبقى المرأة تحافظ على جمال صدرها وعلو نهودها، ويمكن للمرأة أن تفحص نفسها أمام المرآة بدون الحاجة إلى طبيب بتدريب بسيط، فإذا اكتشفت ورما وقساوة غير معهودة في ثديها سارعت إلى الجراح الخبير فعرضت نفسها عليه ففحص وشخص وعالج بدون تشوه وبدون موت مبكر، فهذه هي مهمة الطب، ليس السيطة على الأجل ولكن دفع الأجل بالأجل.

ومما عرف أيضا أن أسرار السرطان تكمن في الجينات، وقد يأتي اليوم الذي تهبط فيه الجراحة إلى عالم النانو فينتزع الجين من الكود الوراثي عند الأنثى وهي جنين في البطن؟ ليس فقط جين سرطان الثدي بل 800 مرض خلقي موزع من الاستعداد للسكري واحتشاء القلب والمنغولية والمنجلة والحثل العضلي وداء مرفات وتكيس الرئة وانخلاع المفصل وتنكس العدسات وقصر البصر..

وعلم الإنسان ما لم يعلم وكان فضل الله عليك عظيما..