مكة قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم. قلب الإسلام, ومهبط الوحي. أحب الأرض إلى الله سبحانه وتعالى فيها بيته وإليها يحج المسلمون من كل بقاع الأرض. يقصدها المعتمرون طول العام. حيث يطوفون بالبيت العتيق ويسعون بين الصفا والمروة. في مكة وحولها أعظم كنوز التاريخ البشري كله من عهد نبي الله إبراهيم الخليل حتى يومنا هذا. ستظل مكة المكرمة مقصد الحجاج والعمار حتى يبعث الله الأرض ومن عليها. فإليها يعود الفضل في عمارة وحياة كل ما حولها من المدن والقرى, ولها تنفق الدولة مئات المليارات حباً واتباعاً وعناية بما أمر الله بالعناية به.

تحيط الأراضي المنبسطة بمدينة مكة المكرمة من ثلاث جهات. طلبة الجغرافيا في مدارسنا الابتدائية, يعرفون أنها تقع في سهل تهامة وهذا السهل يمتد حتى يعانق البحر الأحمر. المسافة الأفقية بين جبال الحجاز والبحر تزيد على الستين كيلومتراً, تتوسط هذه المسافة مدينة مكة المكرمة. ويمتد سهل تهامة شمال مكة وجنوبها. فالتضاريس لا تمنع وجود مطار هنا.

المسافة بين بعض أحياء مكة ومطار الملك عبدالعزيز تتجاوز السبعين كيلومتراً. يقطعها المسافرون في مدة تتجاوز الساعة والنصف. ثم ينتظرون في المطار لمدة تصل إلى الساعتين إن لم تتأخر الرحلة "كالعادة". هذه ثلاث ساعات ونصف من الوقت الضائع. ناهيك عن تكلفة إيجار السيارة التي تصل إلى مئتي ريال في الأيام العادية، وأضعافها في المواسم.

عندما تعرضت جدة لكارثة السيول، انقطعت السبل بكل المواطنين فلم يصل أهل مكة إلى جدة والعكس كذلك. تلك كانت معاناة نتمنى أن لا تتكرر. إلا أن الخط السريع الواصل بين المطار ومكة المكرمة تقع بعض أجزائه في أخفض مناطق جدة, وهذه معاناة أخرى.

تعداد سكان مكة المكرمة يتجاوز 1.600.000. ويتوقع أن يصل عدد المعتمرين هذا العام إلى أربعة ملايين معتمر، ويتشرف بالحج لمكة مليونا حاج كل عام، هذه الأرقام مرشحة للارتفاع بشكل سريع خلال السنوات القادمة. أي أن من يعيشون هذه المعاناة لن يقل عددهم عن سبعة ملايين سنوياً. مما يستدعي وجود مطار دولي.

لو سألت أي مختص في مجال الطيران لقال لك: إن هذه المعطيات تستدعي وجود مطار دولي. ولغرض المقارنة فقط ـ على الرغم من أن معطياتنا وقدراتنا أكبر ـ تعداد سكان دبي يبلغ حوالي مليوني نسمة، وسكان الشارقة يبلغ تسعمئة ألف نسمة، ويسكن عجمان حوالي ثلاثمئة وسبعين ألفا. دبي والشارقة لهما مطاران دوليان يقدمان خدمات عالمية المستوى، ومطار عجمان الدولي تحت الإنشاء. ثلاثة مطارات في مسافة لا تتجاوز الأربعين كيلومتراً. خلال سنتين من الآن ستفتتح توسعة مطار مكتوم بن راشد لمواجهة الضغط المتزايد عليه ليصبح قادراً على مناولة 12 مليون طن في مرافق الشحن، إضافة لخمسة ملايين راكب في جبل علي أي على بعد ثلاثين كيلومترا من دبي. المجموع أربعة مطارات دولية في نفس المسافة التي تفصل مكة المكرمة عن أقرب مطار، وتخدم نصف تعداد سكان مدينتي مكة المكرمة وجدة الذي يتجاوز 5.200.000 نسمة.

يرى مسؤول في الهيئة العامة للطيران المدني، أن أحد الأسباب المهمة لعدم إنشاء مطار في مكة المكرمة هو الكثافة السكانية، وكأن المطار سينشأ داخل المدينة. المفارقة الغريبة أنه كان يتحدث من مطار الملك عبدالعزيز الذي يوجد وسط مدينة جدة. ولنا في مطارات نيويورك وسنغافورة وهونج كونج وغيرها نماذج لذلك.

من الإشكاليات الكبرى التي أوجدتها آلية تحديد مواقع المطارات في المملكة عدم مراعاة الحركة العمرانية في المدن، وتوفير الخدمة لتجمعات سكانية مجاورة. يقع مطار الملك خالد الدولي ـ على سبيل المثال ـ شمال المدينة، ولو أنشئ جنوبها لخدم مدينة الرياض، إضافة لأكبر تجمع سكاني جنوب شرق مدينة الرياض وهي محافظة الخرج. مطار الملك فهد بالدمام، والذي يأسف كل من دخله على المبالغ التي استثمرت فيه مقارنة بحجم الحركة الجوية، يبعد عن كل مكان وكل زمان، وكل ما يمكن أن يسمى مطاراً، فلا المبالغ الخرافية حققت الغرض ولا النسب السابقة للحركة بقيت على حالها، نتيجة بعد المطار عن كل المدن. سمعت أيضاً أن الهيئة تتجه نحو نقل مطار أبها لمسافة تزيد على خمسين كيلومترا شمال محافظة خميس مشيط، أي أنه سيتم إبعاده عن المركزين الحضريين الرئيسيين أبها وخميس مشيط.

مكان مطار الملك عبدالعزيز ـ كما أرى ـ هو أبرز مظاهر سوء تخطيط مواقع المطارات. الشيء الذي أستغربه ولم أستطع أن أفهمه هو: لماذا يوجد مطار الملك عبدالعزيز شمال جدة؟ أعني، لو أن المطار كان في المنطقة الواقعة بين مكة المكرمة وجدة لكان أقرب لتحقيق المطلوب منه، حيث يخدم مكة المكرمة ويخدم في نفس الوقت جدة. تمدد العمران شمال مدينة جدة تجاوز المطار، ومركز الحركة التجارية انتقل حوالي عشرين كيلومترا إلى الشمال. قد يوجد هذا ضرورة إنشاء مطار آخر جنوب المدينة خصوصاً مع تجاوز عدد سكان جدة حاجز الخمسة ملايين، وبحسب معدلات النمو الحالية قد يحدث هذا خلال ثمان سنوات من الآن.