قلة الحظ تلازمنا عند دراساتنا الجغرافية والتاريخية، فنحن لا نأخذ بمناهج البحث العلمي الرصين، والدراسات الآثارية، واستقصاء سير الحضارة وتطورها، مستلهمين المعارف والخبرات التي وفرتها حركات الكشف الجغرافي والتاريخي في العصر الحديث، والتي تقودنا إلى ثوابت وقوانين علمية يقينية، وتؤسس لأحكام قاطعة، وحقائق بحثية دقيقة وصحيحة من خلال الفحص والاستقراء، مهما اضطربت الحقائق وقلت المصادر، وهذا ما لمسته وأنا أقرأ عن سوق حباشة، حيث يقول الأزرقي في كتاب أخبار مكة: " حباشة سوق الأزد وهي ديار الأوصام من بارق من صدر قنونا وحلي وهي من مكة على ست ليالٍ وهي آخر سوق خربت من أسواق الجاهلية " ويقول حكيم بن حزام: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضرها واشتريت فيها بزّاً من بزَّ الجاهلية" وقال الطبري: "إن خديجة رضي الله عنها إنما استأجرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاً من قريش إلى سوق حباشة بتهامة " ويقول حمد الجاسر: "يقع شرق بلدة القنفذة بحوالي خمسة وعشرين كيلو متراً " ويقول البلادي: "قد يكون بقرية المعقص ببلاد بني المنتشر من خثعم " ويقول حسن الفقيه: "يقع في بداية تكون وادي قنونا جنوب غربي قرية الفائجة بحوالي أربعة كيلو مترات شرق المحلة المعروفة بالحوائر في بلاد بلقرن وبلحارث ومنهم بخاصة والناس هناك يسمون هذا الموضع بالسوق" ويقول الفقيه: "إن الأوصام كلمة محرفة يقصد بها الأواس القبيلة الأزدية التي استوطنت هذه البلاد منذ القدم وكان هذا السوق في ديارها"، وقد رد الدكتور غيثان بن جريس على هذه المقولات من خلال دراسته التاريخية والحضارية لبلاد القنفذة حيث يرى "أن هذه الآراء تحتاج إلى براهين قوية، ودراسات علمية أثرية لموقع السوق حتى نخلص من هذا التضارب حول موقعه وقد نفى الجريس واستبعد أن يكون لبارق وقبائلها صلة بهذا السوق بخاصة إذا كان السوق في صدر قنونا لبعد المسافة بين المكانين، وجزم أنه يقع في منطقة القنفذة على طرق الحج والتجارة بين اليمن والحجاز، ثم وجود بعض المعادن المشهورة بها كمعدني ضنكان وعشم بالإضافة إلى أنها مأهولة بالبطون والقبائل العربية المتعددة، والتي غالباً ما توجد أسواق في بلادها وتحت حمايتها، ولا أعرف كيف حسم الدكتور غيثان الأمر وحدد موقع السوق وهو الذي يطالب "بدراسات علمية أثرية: تدلنا وترشدنا إلى موقع سوق حباشة، رغم أن أغلب الدلائل الآثارية والتي تعارف عليها أغلب المؤرخين تقول إن هذا السوق يقع في "آل حبشان" بمنطقة بارق كما وردت في كتاب بارق من العصر الجاهلي وإلى العصر الحديث " لمؤلفة أحمد بن مريف البارقي.