قيمة مواقع التواصل الاجتماعي لا تنحصر في التواصل بين الناس أنفسهم، بل في التواصل مع آراء العالم عنا، بحيث نعلم أننا مثل غيرنا، لدينا الطوام السلبية، والأضواء الإيجابية.

الجديد في هذه المواقع الرائعة أن الشباب وجدوا فيها طاقتهم وحريتهم، وبدؤوا في حملات نقدية جيدة، صحيح أنها أحياناً توغل في السلبية، لكن النقد هو الخطوة الأولى لتحويل السلبي إلى إيجابي في الحياة، وعلى أرض الواقع. خذ مثلاً: برامج يوتيوب الساخرة، التي احترفها بعض الشباب السعوديين المبدعين. أذكر منها مثلاً: "لا يكثر، على الطاير، نشرة الأخبار التاسعة إلا ربع، إيش اللي"، وغيرها. وقد أعجبني التحقيق الذي أجرته الزميلة، أمل باقازي في صحيفة "الشرق الأوسط"، (23 /6 /2011).

وصفة سهلة لإعداد تلك الحلقات، أحمد فتح الدين -أحد كتّاب حلقات "على الطاير"- يقول: "يتكون فريق العمل من 4 كتاب ومخرج، ومحررين اثنين، أحدهما يعمل كمخرج مكرر، إلى جانب مثلهما من المنتجين، حيث إننا نعقد اجتماعات مستمرة في ما بيننا لإعداد الحلقة والالتقاء أيضا في اجتماع آخر من أجل كتابة الحلقة بالكامل، إن برنامجنا يُعد اجتماعياً من الدرجة الأولى، الذي ربما يطعم بشيء من السياسة، إلا أننا لا نسمح لأي شخص (تسييسه) بأي شكل من الأشكال، وإنما نعمل على نقل ما يحدث في الساحة لدعوة الناس إلى التفكير بشكل سليم".

قلتُ: لم ينتظر الشباب إصلاحات تجري في التلفزيون السعودي لتستوعب قدراتهم وطاقاتهم، ذلك أن الجرعة التي يقدمونها في برامجهم اليوتيوبية دسمة في حريتها ومناقشتها للقضايا الحساسة في المجتمع، وهو سقف لم يصل إليه بعد تلفزيوننا، ومن باب أولى معظم التلفزيونات الحكومية، بل ولا التلفزيونات الخاصة، لهذا فإن الإيجابية في هذا الإبداع أن الشباب لم ينتظروا طويلاً أمام أبواب التلفزيونات لتفتح لهم، بل فتشوا عن طرقٍ أخرى فتحها لهم "اليوتيوب"، هذا الموقع العجيب الذي يهب الإنسان فرصة التعبير عن مكنوناته من خلال مقاطعه البصرية. الإبداع ألا ينتظر أحدٌ فرصة قد تأتي وقد لا تأتي، إنه يصنع وسائله بنفسه، ولهذا جاء الشباب بإبداعاتهم الحيوية، مجددين ومبدعين، ومتحركين خارج الأطر التي لا تناسبهم. إن الذين يقدمون البرامج مثل: فهد البتيري، أو عمر حسين، وغيرهما، استثمروا الإمكانيات البسيطة لإيصال برامج جميلة وكوميدية وهادفة في الوقت ذاته، معبرين عن قدرات كوميدية راقية توصل الأفكار على ضفاف ضحكة، وعلى جناح بسمة!

قال أبو عبدالله غفر الله له: مواقع التواصل الاجتماعي تجعلنا نرى كل شيء بطريقة أكثر دقة، وتمنحنا فرصة نقد أنفسنا من خلال الجيل الشاب، والبرامج الحديثة، إننا نكتشف أنفسنا في هذه المرحلة، ونكتشف الصورة التي نتمنى أن نكون عليها في المستقبل... شكراً لموقع "اليوتيوب" على كل هذا الجمال!