قال تعالى: (واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ).
هل كان حديث الدكتور الحبيب بمثابة حجر حرك آسن الماء، وتشكلت على إثره دوائر عديدة ؛ فانتفض البعض يهاجم الحبيب في شخصه، وولائه، وانتمائه، وبخلط عجيب أقحموا العنصرية، والمناطقية، والقبلية، وغيرها... إلخ؟
دوائر الحجر الذي ألقاه الدكتور الحبيب ينبغي أن ننظر إليها نظرة إيجابية تعزز المواطنة كمبدأ، وتعزز ثقة المواطن بالدولة، وبعدالتها تجاه الأفراد بمنطق المساواة في الحقوق، والواجبات دون النظر إلى أي أمور أخرى، والاستفادة القصوى من هذه الزوبعة ؛ بأن يكون هناك حضورٌ قويٌ لمصطلحات التوافق، والاندماج ؛ وإرساء الحوار المؤطر بالخلق الإسلامي الرفيع.. بل إن الحبيب بحديثه هذا يحرضنا على تداول صيغ لأفكار خلاقة.. تدفعنا إلى مزيد من الحوار الراقي الذي يمثل أبناء وطن عبد الله بن عبد العزيز والبحث عن مزيد من نقاط التقاطع مع بعضنا ونكون معا منظومة تحيل اختلافنا إلى حافز لردم هذه الهوة لا تضييقها فحسب.. فالاختلاف مع الحبيب مهما كان حجمه لا يبيح لنا ممارسة إقصائه بهذه الصورة حتى إننا اتهمناه بأنه فضحنا أمام العالم، وآخرون أعلنوا توقفهم عن مشاهدة برنامجه المفيد، وتمادى آخرون فوصموه بالجنون (ليس المسلم باللعان ولا بالشتام).. وسؤالي لهولاء: هل تعرف تفسيرا عميقا لقوله تعالى.. (ادفع بالتي أحسن)؟
إننا بهذا الحجر الملقى من الدكتور الحبيب قد نكسر حاجز الجهل تجاه بعضنا البعض, بل نستطيع من خلاله سد الثغور وقطع الطريق لكل من يشكك أو يقلل من انتماءاتنا الوطنية.
مارسنا دورنا كدولة ذات إرث ثقافي عظيم، دولة آمنت بالاختلافات العقائدية، والمذهبية، والتباينات الفكرية، والسياسية حتى على مستوى العالم؛ فدعونا إلى حوار الحضارات والأديان؛ وأقمنا مركزا للحوار الوطني؛ لنشر ثقافة الحوار. وعندما تحاورنا مع بعضنا تحولت لغة الحوار إلى جمر تلفظه أفواهنا باتجاه الآخر. ومازال البعض منا يوسع الفجوة بدلاً من تجسيرها: فهذا يتحدث عن العنصرية، وذاك عن المناطقية، وفلان عن المذهبية، وآخرون ذهبوا إلى التفرقة بين المناطق في الخدمات المقدمة، وتناسوا أننا في وطن شعاره: (الله، ثم المليك والوطن). دولة لمسنا جميعًا إصرارها على المساواة بين الجميع، ومساءلة المقصرين، ومهدري المال العام، والضرب بيد من حديد لكل مسؤول كان طرفاً في قضية فساد.
نقول لكل هؤلاء إن المواطنة لم تكن درسا تعلمناه في المدارس، أو بين أروقة الجامعات، أو حصلنا عليها من درجة علمية متقدمة، المواطنة روحٌ سرت في أرواحنا، وامتثلت لها أجسادنا, ورمزٌ تشربناه (هو سر وجودنا).
وطننا يا سادتي خيارٌ ومصير. المواطنة لا تلغي الانتماءات الأخرى، بل تعيد ترتيبها ؛ ليكون الانتماء للوطن هو العنوان الأول دائمًا ؛ لذا فنحن نرفض المزايدات على وطنيتنا جميعًا، نرفض أن ننسب الانتماء لشخص دون آخر، لأن كل من تجسد الوطن في داخله، وأصبح عنوانا له (سعودي / ـة) , هو ذات تحمل الوطن كرسالة للعالم برمته، تحمله خلقاً، وفخراً, وانتماءً، وتصرفًا، ودينًا قبل ذلك.
نعترف بخصوصياتنا: الثقافية، والاجتماعية، والاختلافات، والتنوعات، ونعترف بعنصرية البعض منا، وهذا الاعتراف بحد ذاته حافزٌ لنا لتحويل هذا كله لإثراء ثقافي واجتماعي تذوب بينه الفتن والفجوات، فلنوحد أفكارنا وآراءنا "فالوطن بأمس الحاجة لنا"، لأننا نعيش معه مرحلة خلافات فكرية داخلية ؛ نخشى أن تمزق هذا الجسد.
نحن يا سادتي على مفترق طريق واحد, نجتمع فيه بعيدًا عن العصبية, والقبلية, وباتجاه هدف واحد: وحدة الوطن, علو الوطن, قوة الوطن.
تصدينا للدكتور الحبيب لم يكن تصديًا لشخصه، بل تصد لفكرة وموجة موجهة لقلب الوطن، الوطن الذي تعمقت جذوره، وترسخت قوته، ليس بالحدود المرسومة جغرافيا فقط, بل الوطن الذي رسم حدوده بتمايزه الحضاري، ومبادئه الراسخة، وتاريخه العريق.
خاتمة :
( اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ) والسخيف جدًا جداً أن كل قضايا الود عبر التاريخ، أفسدها اختلاف الرأي كما يقول د.غازي القصيبي. رحمه الله.