يمثل جبلا شدا الأسفل والأعلى بالباحة وجهة للباحثين عن المذاق المميز للبن المستخدم في إعداد القهوة على مستوى الجزيرة العربية، وتتميز زراعة البن في جبلي شدا الأسفل والأعلى بمنطقة الباحة بطقوس خاصة في الزراعة والارتفاعات والري وجمع الثمار، تحتاج إلى المزارع الخبير بالتربة والطقس.

وقد تميز البن الشدوي ـ نسبة إلى جبلي شدا الأعلى والأسفل بالباحة ـ بميزات خاصة، أهمها مذاقه المميز، وتقتصر زراعة البن في المملكة على الجبال المرتفعة نسبيا في جنوبها مثل جبال فيفاء وبني مالك، وفي جبال عسير وفي جبلي شدا الأسفل وشدا الأعلى في منطقة الباحة. ورغم الاهتمام بزراعة البن هناك، يشكو أهالي جبلي شدا من اندثار مزارعهم للعديد من الأسباب وهما آخر معقل لغرس البن والعناية به في أقصى نقطة يمكن أن يعيش فيها البن شمال المنطقة الجنوبية.

يقول المواطن معيض أحمد الغامدي (أحد المهتمين بزراعة البن في جبل شدا الأعلى) يعد البن الشدوي من أشهر أنواع البن التي تزرع في الجزيرة العربية، سواء في السعودية أو في اليمن، فقد عرف البن الشدوي الذي يزرع ضمن مناخ جنوب الجزيرة العربية بمذاق خاص يعرفه من يشربه وتذوق حلاوته".

ويتابع "أما اليوم فربما مجموع ما يجنى من هذه الشجرة في جبلي شدا الأعلى والأسفل لا يصل إلى ألف مد سنويا، وذلك لقلة الأمطار ولغياب الدعم الذي كنا ننتظره من وزارتي المياه والزراعة.

وأوضح معيض أن المرحلة التالية هي تجفيف وفرز مكونات ثمرة البن، يقول "بعد قطف المحصول من البن ينقل إلى أسطح المنازل لنشره وتجفيفه تحت ضوء الشمس لمدة 3 أيام، ثم يجمع ويبعد عن الشمس لمدة يومين داخل البيوت، ثم يعاد نشره فوق الأسطح مرة أخرى لمدة خمسة أيام, عندها يتحول لون حبات البن إلى اللون الأسود، ويخف وزنه نتيجة لفقدانه الرطوبة والماء جراء التجفيف".

وعن طريقة سحقه وفصل القشرة عن اللب (الصرف) يقول الغامدي "كنا في الماضي نجرش البن على الرحى بعد رفع حجر الرحى الأعلى درجة معينة ليتناسب مع حجم حبات البن، وهناك من يجرشه بحجارة أعدت خصيصا لهذا الشأن، بعدها يتم فصل القشرة عن الصرف كل على حدة، ليتسنى بيعه بهذه الصورة وحسب رغبة الزبون، لأن بعض الناس يفضلون عمل قهوة البن من القشر، وآخرون يفضلون عملها من الصرف الخالص، وهناك من يخلطهما معا، ولكل طريقة مذاقها الخاص".

ويقول جمعان علي الغامدي (أحد المهتمين أيضا بزراعة أشجار البن في جبل شدا) "لايكاد يذكر البن في السعودية، إلا ويذكر معه شدا، فقد اشتهر جبلا شدا الأسفل والأعلى بهذه الشجرة، وذلك لجودة منتجها، ولكن اليوم ومع قلة الأمطار ونضوب كثير من الآبار تناقصت زراعة البن إلى نسب قليلة جدا ولم يبق سوى أقل من 10 % من الأشجار.

واقترح سعيد بن شيحة الغامدي إنشاء سدود صغيرة في الشعاب، وضخ مياه عبر مضخات من تهامة ليتم من خلالها العناية بالبن، وإعادة زراعته بالكميات التي كان عليها، والعناية بهذا المنتج الأغلى والأهم بين المشروبات في العالم.

ويرى عبد الله بن علي (من أهالي جبل شدا الأسفل) أن "من دلالات اهتمام الناس بشجرة البن، وحرصهم عليها في جبل شدا الأسفل أن أكثر من ثلثي الزراعة هنا لأشجار البن، وكان هناك رجال من قبائل مجاورة لنا ويقطنون في تهامة يأتون لشراء قطعة أرض من مزرعة قائمة ليعود إنتاجها لهم وترسل إليهم كل سنة".

بينما يرى غرم الله الغامدي أن على إدارة المياه أن تتفهم حاجة الناس إلى هذه الشجرة النادرة والمهمة عند الجميع، ووضع سدود صغيرة في الشعاب، وأن تضخ المياه إلى رؤوس الجبال لإبقاء هذه الشجرة، فالمياه في تهامة أسفل الجبل متوفرة بصورة كبيرة، وهي من الكثرة والوفرة، حيث تجري فوق سطح الأرض وتشكل شلالات وغدرانا تسيل بها الأودية على مدار العام. ويتساءل قائلا "لماذا لا تستغل هذه الكميات المهدرة كالتي في وادي ناوان شمال غرب جبل شدا بضخ مياهه عبر أنابيب إلى مزارع البن على قمة الجبل". ويشير حميد عبد الله الغامدي (أحد أشهر بائعي البن في سوق الثلاثاء بالمخواة) إلى أن أشجار البن من الأشجار بالغة التعقيد في زراعتها ومتابعتها والعناية بها، منذ زراعتها حبوبا تحت سطح التربة، ومكوثها ثلاثة أشهر حتى تنفلق نواتها عن برعم شجرة البن، إلى أن تصل إلى قاع دلة القهوة، فلها في السقيا طرق إذا اختلفت أسقطت كامل ثمارها. وأضاف أن لشجرة البن طريقة خاصة في جني الثمار، كما أن جذورها لا تقبل طينا مركزا قويا ولا ترابا مفككا هينا، وإنما الوسط بين هذا وذاك، ولا تعيش في جو حار جدا ولا بارد جدا، فهي ليست من أشجار تهامة ولا من أشجار السراة، بل تفضل التوسط بين هذا وذاك. وتعيش على ارتفاعات محسوبة بدقة عن سطح البحر.