فتحت قضية انقطاع أكثر من 480 طالبا وطالبة، بمدرسة "الجهاد" الابتدائية للبنين، بوادي "المسنى"، ومجمع مدارس "الغايل" التعليمي للبنات، والتي انفردت "الوطن" بنشرها ومتابعتها، خلال الأسبوع الثاني من العام الدراسي الجديد، فتحت الباب على مصراعيه، في "كشف المستور" من مشاكل التعليم، في أكثر من 230 مدرسة للبنين والبنات، في مختلف المراحل الدراسية بمحافظة "ظهران الجنوب"، الواقعة على بعد نحو 160كلم، جنوب شرق أبها، والتي تعد من أهم محافظات منطقة "عسير"، كونها تحتل موقعا استراتيجيا هاما، إذ إنها حلقة الوصل بين ثلاث مناطق إدارية كبرى: جازان غربا، ونجران جنوبا، وعسير شمالا، وتشرف على منفذ "علب" الحدودي مع اليمن، وتمتد لمسافة 100كلم، على الحدود المحاذية لمقاطعة "صعدة" اليمنية.
تعطيل لقرار الوزير!
عضو المجلس المحلي السابق بـ"ظهران الجنوب"، صالح بن مانع آل المونس، حمل وكالة وزارة التربية والتعليم للتخطيط والتطوير، "الجزء الأكبر من المشاكل التعليمية في أكثر من 230 مدرسة للبنين والبنات بمحافظة ظهران الجنوب الحدودية، برفضها المستمر التجاوب مع مطالب الأهالي، بافتتاح إدارة للتربية والتعليم بالمحافظة، منذ عقدين من الزمن، على الرغم من التوصيات المرفوعة، والمؤيدة لهم من قبل سمو أمير منطقة عسير، ومن المجلس التعليمي بمنطقة عسير"، بحسب وجهة نظره، ومعتبرا أن "أخطاء مسؤولي وكالة وزارة التربية للتخطيط، لم تتوقف عند هذا الحد، وإنما قاموا أخيرا بمخالفة صريحة لقرار وزير التربية والتعليم، الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود، والذي يحمل رقم 31950948 والصادر في 6 /8 /1431هـ، والذي نصت فقرته الثالثة على توحيد مكاتب التربية والتعليم للبنين والبنات في المحافظات التي لايوجد بها إدارة تربية وتعليم، في مكتب تربية وتعليم واحد، ويكون ارتباطه بالإدارة العامة للتربية والتعليم، وفق نظام المناطق"، كاشفا عن أنه "بقي تعليم البنات منفصلا ومستقلا تابعا لإدارة تعليم البنات بأبها، فيما تعليم البنين تابع لمحافظة سراة عبيدة، وهذا أدى إلى استمرار المركزية، وبقاء مكتبي تعليم البنات والبنين في ظهران الجنوب، مجرد نقاط انطلاق للمشرفات والمشرفين على المدارس، فاقدين للقرار، لاسيما مكتب البنين، الذي يصدر لهم من محافظة أخرى"، معتبرا أن "في ذلك مخالفة صريحة لنظام المناطق، الصادر من وزارة الداخلية". وشدد آل المونس في حديثه مع "الوطن"، على "ضرورة تدخل القيادات العليا في الوزارة، لوقف العشوائية في توالي إصدار القرارات، من وكالة الوزارة للتخطيط، والتي تفاجئنا بين الفينة والأخرى بقرارات متناقضة"، معتبرا أنه "لا اجتهاد مع النص". لاسيما أن "أعداد المدارس بمختلف المراحل الدراسية في تزايد مطرد، مما يزيد من صعوبة الإشراف عليها من قبل إدارة تعليمية، تميزت باختلاقها المشاكل، لتغطي على ضعفها في الجوانب الإدارية والفنية"، بحسب وجهة نظر آل المونس.
القفز على الأنظمة
من جهته طالب رئيس المجلس البلدي السابق بـ"ظهران الجنوب"، محمد مهاوش الوادعي، طالب المجلس التعليمي لمنطقة عسير "التحلي بالمسؤولية والمصداقية في مناقشة ارتباط محافظة ظهران الجنوب تعليميا، بإدارة العموم بعسير، بدلا من تبعيتها لمحافظة مجاورة". وقال الوادعي "إن مما يزيد الوضع سوءا وتعقيدا، أن ممثل محافظة ظهران الجنوب في هذا المجلس، هو أحد مديري التعليم، لإحدى المحافظات المجاورة، والأهالي يعدونه الخصم والحكم، لاسيما أن له خبرة عريضة في القفز على الأنظمة والتعليمات، خاصة ما كان في صالح مدارس ظهران الجنوب، وأصدق دليل على ذلك، قرار وزير التربية الأخير الذي نص على استقلالية تعليم ظهران الجنوب، وارتباطه مباشرة بالإدارة العامة للتعليم بعسير. حيث ذهب مدير تعليم سراة عبيدة للبنين، إلى تعميم القرار في 5 /9 /1431هـ، على المدارس، شاطبا فقرته الثالثة، والتي تخول محافظة ظهران الجنوب الاستقلال بتعليمها، وعدم تبعيتها كبقية الدوائر الحكومية الأخرى، لمحافظة أخرى، بمعنى مخالفته لقرار الوزير، بدعم غريب من وكيل الوزارة للتخطيط والتطوير"، وهي الادعاءات التي يقول الوادعي إنها بحسب ما يراه "صحيحة"، وينطلق فيها مو وقائع عملية، لا انتقادات ذات طابع شخصي.
عشرون عاما من المعاناة
معاناة أهالي ظهران الجنوب، مع المسألة التعليمية، سردها أحد أعيان المنطقة، محسن بن سالم آل دوسري، وهي معاناة برأيه امتدت طوال العشرين عاما الماضية، سواء فيما يرتبط بـ"استقلالية قطاع التعليم في محافظتهم، أسوة بباقي الإدارات الحكومية"، مؤكدا طرقهم كل الأبواب في كل الوزارات ذات العلاقة بـ"هدف افتتاح إدارة للتربية والتعليم، تقوم بالإشراف على مدارس المحافظة، التي تعاني من مشاكل حقيقية، لعل آخرها منع أولياء الأمور في بعض المدارس أبناءهم من الذهاب لمقاعدهم الدراسية، وكأن المشكلة لا تعني إدارة تعليم سراة عبيدة، التي تتبع لها مدارس ظهران الجنوب"، موضحا أنه على الرغم من أنهم حققوا جميع مطالب وشروط وكالة الوزارة للتخطيط والتطوير، من تأييد سمو أمير المنطقة، والمجلس التعليمي، والمجلس البلدي، ومنسوبي التعليم بالمحافظة من الجنسين، إلا أنهم "تفاجأوا" أن رحلاتهم المكوكية خلال الأعوام السابقة، بين أبها والرياض، "ذهبت أدراج الرياح، بإسقاط اسم ظهران الجنوب من الهيكل التنظيمي للتعليم، من قبل مسؤولي إدارة التعليم بسراة عبيدة"، وهو الأمر الذي "كشفه خطاب وكيل وزارة التربية والتعليم للتخطيط والتطوير، الدكتور نايف بن هشال الرومي، لمدير تعليم سراة عبيدة يحيى محمد فائع، بعد الشكاوى الجماعية من قبل الأهالي، لسمو وزير التربية"، مبينا في حديثه أن "ما أصابنا أخيرا بالدهشة، هو استثناء ظهران الجنوب من قرار الوزير الأخير، والذي ينص على استقلالية التعليم بالمحافظة، وربطه مباشرة بالإدارة العامة"، فيما شدد آل دوسري على أنهم "لن يتنازلوا عن حقوقهم" التي كفلها لهم النظام، وأن خطوتهم القادمة هي "اللجوء لهيئة حقوق الإنسان، ولديوان المظالم، ومقابلة وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، ومناشدته رفع الظلم الواقع على أهالي المحافظة".
تفهم للمطالب
رئيس "مركز الأمير سلطان للبحوث والدراسات البيئية" بعسير، البروفيسور حسين الوادعي، ذكر أن "مديرعام التربية والتعليم بعسير الجديد، رئيس المجلس التعليمي، جلوي كركمان، أكد لوفد الأهالي الذين قابلوه الأسبوع المنصرم، تفهمه لقضيتهم، وأحقية محافظة ظهران الجنوب بافتتاح إدارة للتربية والتعليم، وربطها مباشرة بالإدارة العامة بعسير، وفق الأنظمة، أسوة بباقي محافظات المنطقة". الوادعي اعتبر أنه "من الصعوبة بمكان استطاعة إدارة التربية والتعليم بسراة عبيدة، ذات الإمكانات المحدودة، الإشراف والمتابعة على أكثر من 400 مدرسة، في حال تم دمج تعليم البنات مع البنين، وإبقاء تبعيتها لنفس الإدارة".
معاناة المعلمين
هذه المشكلات المتراكمة، انعكست سلبا على الواقع التعليمي للطلاب والمعلمين، وهو الأمر الذي تحدث عنه المعلم عبد الله عوض آل زاهر، مشبها معاناتهم مع إدارة التربية والتعليم بسراة عبيدة بـ"مسلسل تراجيدي لن تنتهي حلقاته، في ظل بقاء العلاقة المتوترة بين الإدارة والميدان التربوي، والتي وصلت إلى حد لا يطاق"، ضاربا على ذلك أمثلة، حيث إنه "بمجرد أن تطرح رأيك، تصبح مستهدفا!". مؤكدا تعرضه لـ"المضايقة في عمله، بعد أن أبدى رأيه في قضية تعليمية لإحدى الصحف المحلية"، وقال آل زاهر "إن المعلم لا يحصل على حقوقه في إدارة التربية والتعليم بسراة عبيدة، إلا عن طريق الشفاعة، بأحد رؤساء أو مديري الدوائر الحكومية، أو المقربين من أصحاب القرار بالإدارة"، والشواهد كما يقول "كثيرة وليست خافية على المنتسبين للوسط التعليمي بظهران الجنوب". وبين آل زاهر أن "مشاكل التعليم متشعبة ومتعددة، ولعل أهمها المشاريع التعليمية المتعثرة والمتوقفة في المحافظة، كمشروع مدرسة الزبرقان الابتدائية بكتام، ومشروع مدرسة صلاح الدين الأيوبي بوادي الملحة، ومشروع مدرسة معاوية بن أبي سفيان بالشحاك، ومبنى مكتب التربية والتعليم للبنين، والذي انتهى عمره الافتراضي، وأصبح وجوده يهدد حياة منسوبيه، بالإضافة إلى العشرات من مدارس تعليم البنات المستأجرة،وافتقاد جل المدارس للتقنية الحديثة، والتي تتطلبها مناهج شامل لتطوير المناهج". وطالب آل زاهر بـ"ضرورة تسريع مدير عام التربية والتعليم بعسير في ربط تعليم البنين بالإدارة العامة، ليتحرر الميدان التربوي من المركزية االجاثمة على صدره لعقدين من الزمن".
الرد الرسمي
"الوطن" وفي سعيها لاستكمال وجهات النظر المختلفة، تحدثت إلى أمين المجلس التعليمي بمنطقة عسير، الأستاذ علي مفرح الثوابي، الذي أكد أن "قرار ربط التعليم بمحافظة ظهران الجنوب، بالإدارة العامة، سوف يطرح خلال جلسة المجلس القادمة"، مؤكدا على أن "المجلس سبق أن صوت لضرورة افتتاح إدارة للتربية والتعليم بظهران الجنوب".