وحتى اللحظة، يصف في طابور محكمة الجزاء الدولية، زعيمان عربيان والتهمة تافهة بسيطة: مجرد مجرمي حروب في جرائم ضد الإنسانية. و"الإنسانية" التي يتحدث عنها المصطلح هي الشعوب التي يؤتمن هؤلاء الزعماء على حاضرها ومستقبلها وأمنها وحقوق إنسانها، وللأسف الشديد، فإن الغرب الأخلاقي هو من ينهض لنجدة هذه الشعوب لتخليصها من براثن بعض حكامها الذين يتنافسون فيما بينهم على معادلة حسابية تافهة بسيطة: أن يمر اليوم الواحد بالعدد الأقل من جثث القتلى وأن تدفن هذه الجثث بأقل ما يمكن من الأضواء وصخب الاحتجاج وأن تبلع عيون أهاليهم دمعها قبل أن ينسكب على الجفن.

أما لماذا كانت الجريمة تافهة وبسيطة فلأن القتلى هم شعوب بني يعرب الذين قتل زعماؤهم منهم في ظرف ثلاثة أشهر، ثلاثة أضعاف ما قتلته أيدي بني صهيون من العرب في ثلاثة عقود بحسب آلة الحساب الفلسطينية. ومن المعيب المخجل لبني يعرب أن تصبح لدمائهم – بورصة – تتباين في المعيار وفي القيمة بحسب طبيعة القتل: لماذا تختلف إذاً قيمة دم الطفل الشهيد، محمد الدرة، عن قيمة دم الطفل الشهيد، الخطيب؟ ولماذا بكينا على أطلال الفضائيات على دم لبطل شهيد؟ ولماذا سكتنا على إراقة دم شهيد آخر وكأنه مجرد سكبٍ لكوب من اللبن؟ نحن أيها السادة، نغرد في القرن الحادي والعشرين في كوكب مختلف عن سياق ومسارات الإنسانية. نحن لسنا مجرد خطر بالغ على أنفسنا فحسب، بل نحن أكبر منظومة خطرة على مجمل الإنسانية. نحن نكتشف في مجرد ثلاثة أشهر أن الجيوش التي صرفت عليها هذه الشعوب كل ما أعدم مستقبلها، من أجل أسطوانة العدد المشترك، لم تكن في ثكناتها إلا للاستدارة الكاملة إلى رقاب هذه الشعوب. نحن نكتشف أن هذا الغرب، الذي نلعنه على كل منبر وقناة بتهمة التآمر علينا، هو ذات الغرب الذي يفضح ممارسات بعض حكامنا، وهو ذات الغرب الذي يضم هؤلاء الحكام في طوابير مجرمي الحروب بتهم ضد الإنسانية. نحن أنظمة الحكم الوحيدة التي مازالت على رأس السلطة، وفي ذات الوقت، على رأس قوائم المطلوبين إلى – لاهاي – ونحن للأسف الشديد، بعض هؤلاء القتلة الذين مازال بإمكانهم أن يذهبوا غداً إلى قمة قادمة أو محتملة. من هو الأخلاقي إذا يا سدنة الأخلاق في الخطب: نحن أم الغرب؟