في الأسبوع الماضي قضيت ما يقارب ثلاثة أيام ممتعة لم أشعر بسخونة الصحراء رغم الصيف؛ فقط سوء توفر الخدمات السياحية السيئة؛ قضيتها بين آثار عظيمة بمنطقة "العلا" شمال المدينة المنورة؛ وهي زيارتي الثانية حيث زرتها أول مرة في 2006م؛ أبهرتني بحقائق تاريخية وأسرار مغيبة عن الكثير من السعوديين، وكتبتُ عنها حينها في جريدة الشرق الأوسط؛ ويبدو أني لن أكف عن الكتابة أبداً بسبب الغبار الكثيف الذي ما يزال يملأ تاريخها بأخطاء شائعة عند الناس؛ فنحن لدينا ببساطة كنز أثري أو نفط (حجري) لا ينضب أبداً؛ ولكنه معطل نتيجة هذا اللغط التاريخي؛ وكم نحتاجه لتقوية اقتصادنا الوطني القوي أساساً؛ إذا ما تم استغلاله سياحياً؛ فهناك دول يقوم اقتصادها على مواردها السياحية وآثارها لآلاف السنين؛ كمصر والأردن مثلاً؛ ونحن لا نقل عنهم؛ لو تم استثمار آثار (العلا) المعروفة بـ(وادي القرى) أو (دادان) كما في الحضارات القديمة حيث سكنها اللحيانيون من 2700 سنة ثم الأنباط .
وفي زيارتي هذه قضيتُ نهار يوم كامل في منطقة "مدائن صالح" أو ما تسمى بـ(الحجِر)، وهي تبعد عن محافظة العلا بـ22 كيلو؛ بدأتها من مقبرة قصر الصانع ثم مقابر قصر البنت و .. و .. حتى الديوان وانتهاء بمقبرة قصر الفريد الذي يعتبر أضخم قصر لمقبرة نبطية منحوتة في مدائن صالح؛ وربما تستغربون أني أقول عنها مقابر نبطية وليست بيوتاً ثموديةً كما هو شائع عنها؛ حتى أن كثيرين يعزفون عن زيارتها لكونها منطقة عذاب على اعتبار أنها تنتسب لقوم نبي الله صالح عليه السلام الذين حلّ عليهم العذاب بـ(الصيحة) نتيجة عقرهم الناقة المذكورة في القرآن الكريم؛ والحقيقة أن معظم علماء الآثار خلال دراساتهم وحفرياتهم وأبحاثهم - وخاصة البروفسور الدكتور عبدالرحمن الأنصاري الذي كان له مجهود عظيم جداً في كتابة تاريخ هذه الآثار العظيمة - كانوا قد خلصوا إلى أن واجهات الجبال المنحوتة في منطقة "مدائن صالح" هي في حقيقتها مقابر نبطية عائلية؛ وأبرز الأدلة على نبطيتها أن الأنباط حفروا تاريخها على واجهاتها، ووثقوها بوصايا وأوضحوا أنها مقابر لهم ولعائلاتهم؛ وأتذكر جيداً قول أحد علماء الآثار ممن كانوا يشرفون على حفريات أثرية بالمنطقة أخبرني أنهم وخلال ثلاثة حفريات لم يعثروا على أي دليل يعود للثموديين، وأن الأدلة التي عثروا عليها تعود للأنباط ولحيان؛ فيما أخبرني الباحث الآثاري الدكتور فرج الله أحمد يوسف منذ بضعة سنوات "أن كل الواجهات المنحوتة في مدائن صالح هي مقابر نبطية؛ وأقدم تاريخ لواجهة منحوتة تعود للسنة 100 قبل الميلاد، وليس لهذه الواجهات المنحوتة أي صلة بقوم ثمود الذين ينسبون لنبي الله صالح".
ويكفيك حين تدخلها وأنا دخلتُ معظمها، تجد كل واجهة منحوتة قصراً مجرد غرفة صغيرة ضيقة من الداخل؛ وتتضح معالم المقابر في جوفها؛ وهذا يتنافى تماماً مع وصف القرآن الكريم لما ذكره عن الثموديين الذين ينحتون بيوتاً من الجبال للسكن؛ في قوله تعالى" وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ"، وقوله "وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ? فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ".
لم أنتهِ؛ "السالفة طويلة" وأترك لكم هذا الرابط لتتعرفوا عليها وغداً نكمل.
http://www.youtube.com/watch?v=2qFfST3xRzM