نقدنا للممارسات الدينية لا يعني أبداً نقدنا للدين، ومن يخلط بين الاثنتين، إما أنه يريد أن ينتقص من الدين، أو أنه يريد أن يقدس المتدينين، وكلاهما مصيبة!

نقدنا للمارسات الخاطئة يأتي لمصلحة الدين والمجتمع، ومن بين الأخطاء التي ترتبط بفهم الدين أن المندوبات الدينية التي لا ترتبط بشعائر ولا بأشكال أو طقوس أقل جاذبية من تلك التي ترتبط بالطقوس والشعائر، لأضرب على ذلك مثلاً: البعض من الناس يقسو على الحيوان ويضربه ويعذبه، وربما قتله بطشاً وجوراً، لكنه يحافظ على السنة الراتبة، بينما الحديث النبوي جاء مخبراً أن امرأة دخلت النار في هرّةٍ؛ لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. السنة الراتبة مستحبة ولم يرد في أي أثرٍ أن إنساناً دخل النار لأنه ترك السنة الراتبة، وعلى هذا المثال، قس!

قبل أيام ذكرت إحدى السيدات أنها وقفت أمام إحدى الصيدليات طويلاً بانتظار انتهاء الطبيب من أداء الصلاة لتشتري دواء السكري لوالدتها المريضة، مثل هذه الصورة تنطبق على الخلط بين الأولويات في الالتزام الديني، ذلك أن صلاة الجماعة حتى عند من يوجبها فهي في حق أصحاب المهن الضرورية لحفظ الأمن أو النفس أو المال أو العرض غير واجبة، ويمكنهم أن يؤخروا الصلاة أو يصلوا فرادى، كما هو حال رجال الشرطة والأمن، كذلك الصيدلي فهو شرطي الحياة المستأمن على الصحة. أما أن يأتي رجل يُطارد صيدلياً من أجل أن يقفل محله ويذهب إلى الصلاة، بينما يأتي المرضى ينتظرون عودة الصيدلي بكل ألمٍ وتوجع؛ فإن هذا السلوك غير متفقٍ مع مبدأ الدين الذي جاء لخدمة الإنسان ورعاية مصالحه، والقيام بشؤونه، ومن قال بأن الدين لم يأت ليحقق مصلحة الإنسان الدنيوية والأخروية معاً فقد أساء لدينه!

من الضروري أن نتوقف عن الإلزام بإغلاق المحلات وقت الصلاة، على الأقل في بعض المحلات الضرورية مثل محطات البنزين والصيدليات، فمن الصعب أن نتخيل إنساناً يريد الصيدلية للتسلية، أو للتبضع والاستهلاك.

قال أبو عبدالله غفر الله له: الإنسان قيمة أساسية في الدين، وإغلاق الصيدلية في وجه مريضة سكري تحت ذريعة صلاة الجماعة غير منطقي أبداً، وبخاصة وفي وجوب صلاة الجماعة خلاف معتبر، يجب ألا تأخذنا العزة بالإثم لإنكاره، ثم لإلزام المجتمع كله برأي فرعي، قال به بعض العلماء قبل مئات السنوات!