في الماضي كان أجدادنا، وآباؤنا يصفون الشخص بأنه "ذئب"؛ فيقولون فلان "ذئب" إذا اتصف بعدد من الأوصاف المحمودة، والمرغوبة مثل الحرص، والإخلاص، والصدق، والأمانة، والنباهة، والحذر، وسرعة البديهة، أما في هذه الأيام فنجد أن هذا الوصف قد تغير بشكل كبير، وأصبحت هذه الصفة "الذئب"، أو "الذئب البشري" تطلق على من يتصف بأوصاف ذميمة، أو يقوم بأعمال مشينة في المجتمع لا يقرها دين، ولا خلق، ولا عرف، وبذلك ظُلم الذئب في هذه الأيام، وألحقت به هذه التهم، والأوصاف التي هو منها براء. وفي هذه الأيام بدأت "الذئاب البشرية" تظهر في مجتمعنا، وبشكل ملحوظ، وتعد من أسوأ أنواع الذئاب التي عرفتها البشرية. فالذئب الحقيقي قد يهاجم قطيع الأغنام، وقد يحصل على فريسته في غياب انتباه الراعي، ولا يكرر الهجوم على القطيع في المكان نفسه، أما الذئاب البشرية فقد تكون جرائمها من النوع المركب، والبشع، ويتم تكرارها مرات عديدة بدون رادع ديني، أو أخلاقي، أو إنساني.
ولعل ما أريد أن أناقشه في هذا المقال هو ما حدث في محافظة جدة من اختطاف، واغتصاب "جريمة، أو جرائم من النوع المركب" للفتيات، أو الأطفال في مقتبل العمر ممن لا يتعدى أعمارهن العشر سنوات من قبل شخص كبير في السن، وأب لأسرة، ولا يمكن أن نطلق عليه ذئبا بشريا كما يصفه بعض الناس، بل أقول إنه وحش بشري، فهذه الأفعال المشينة أصبحت حديث المجتمع، وكانت كالصاعقة المدوية عليه؛ لأن المجتمع السعودي مجتمع محافظ، ومسالم، ولم يتعود على هذا النوع من الجرائم البشعة، وأقول إن ما قام به من جريمة، أو جرائم يعد من النوع المركب؛ لأنه ارتكب أولا جريمة الاختطاف لهؤلاء الأطفال مما أدى إلى ترويعهم، وهذه جريمة كبيرة، ثم يقوم بفعلته الشنعاء، أو الجريمة الكبرى التي تتمثل في اغتصاب براءة هؤلاء البنات الصغيرات، وتكررت هذه الأحداث الإجرامية منذ منتصف عام 1429 هـ حتى تم القبض عليه في الأيام القليلة الماضية، وقد يكون هناك حالات تم السكوت عليها، ولم يتم تسجيلها، ولم يتم التبليغ عنها بدافع العيب، أو الفضيحة الاجتماعية. وحتى كتابة هذا المقال بلغ عدد ضحاياه من البنات الصغيرات المغدور بهن حوالي العشرين، وقد يكون الرقم أعلى من ذلك، أي بمعدل ست أو سبع ضحايا كل عام، وهناك أسئلة عديدة تبحث عن إجابات حول هذه الجرائم الغريبة على مجتمعنا، وأبعادها المختلفة، ومن هذه الأسئلة ما هو متعلق بوحش جدة، أو ذئب جده البشري؛ فالسؤال الأول هو: ما الدوافع الرئيسة وراء الأقدام على مثل هذه الجرائم؟ هل هو بهدف الإشباع الجنسي؟ فهو متزوج، ويمكنه التعدد حتى أربع زوجات إذا كانت لديه الرغبة في ذلك، أو هل هو بهدف الانتقام من المجتمع؟ فماذا فعل له المجتمع؟ لقد قدم له المجتمع كل ما يحتاجه، فلماذا هذه المكافأة؟ ماذا سيكون شعوره لو أن بناته هن المُختطفات، والمُغتصبات؟ هل هو مريض نفسي؟ فلو كان يعاني من مرض معين لما استطاع أن يخطط كل شهرين لتنفيذ جريمته بدقة، وباحتراف، وبإصرار، فهو ليس مريضا نفسيا، بل هو مجرم في حق المجتمع، والوطن بشكل عام، وأرجو ألا يكون المرض النفسي شماعة نعلق عليها جرائمنا، أو مشاكلنا، أو تجاوزاتنا المختلفة، فكلما أقدم أي شخص على جريمة جعلناه بعدها مريضا نفسيا، أما قبلها فهو سليم معافى، ولا يعاني من أي أمراض.
أما الأسئلة الأخرى التي أود إثارتها هنا حول هذه الجريمة فهي موجهة لأسر الضحايا، وأقول لهم: أين أنتم من بناتكم؟ ولماذا لم تتم مراقبتهن، ومتابعتهن في الأسواق، أو المستشفيات، أو في أي مكان تقومون بزيارته؟ أنتم مسؤولون عنهن في أي وقت، وفي أي مكان، وهذا من أبسط حقوقهن عليكم، والسؤال الآخر: لماذا لم يتم الإبلاغ عن هذه الجرائم للجهات الأمنية عند بداية ظهورها؟ لماذا لم نخرج من عباءة العيب الاجتماعي؟ ونواجه الحقيقة من خلال الإسهام في حل مشكلات المجتمع من بداية حدوثها، ولا نسكت حتى يستشري هذا المرض في جسم المجتمع، وتحل كارثة اجتماعية. أما الجهات الأمنية فهي مطالبة برفع الحس الأمني، وسرعة التقصي، والتحقيق في الموضوع، ومن ثم الرفع للجهات المختصة بالنتائج بأسرع وقت ممكن لتطبيق الحد الشرعي على ذئب جدة البشري قبل أن تدخل التأويلات، أو التفسيرات غير المقبولة، أو غير المنطقية حيال القضية، أو يظهر لنا قطيع من الذئاب البشرية، أو الوحوش الجديدة في جدة، أو في غيرها من المناطق الأخرى، فلابد من الحزم، والإسراع في تطبيق العقوبات حيال هذا النوع من الجرائم، وإلا فلن تتوقف، وقد تتكرر في أي لحظة.. أصلح الله شبابنا، وحفظ الله بناتنا من كل سوء، ومكروه، وأدام الله على هذه البلاد أمنها، وأمانها، واستقرارها.