مع بدء المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بوساطة من الولايات المتحدة الأمريكية، وتعثرها بسب عدم تجميد تل أبيب عمليات الاستيطان، نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) في الأول من أكتوبر الجاري، على لسان رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور صائب عريقات قوله "إن القيادة الفلسطينية تأمل أن تختار القيادة الإسرائيلية السلام وليس الاستيطان، فالسلام والاستيطان خطان متوازيان لن يلتقيا"، وهو الحديث الذي جاء في مؤتمر صحفي مشترك مع المبعوث الأميركي لعملية السلام السيناتور جورج ميتشل، وجسدته القيادة الفلسطينية تاليا، بإعلان وقف المفاوضات، حتى توقف إسرائيل عمليات البناء الاستيطاني. وأضاف عريقات قائلا "إن الإدارة الأميركية أبلغت الجانب الفلسطيني بأنها ستستمر في جهودها الثنائية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي كل على حدة"، مشيراً إلى أن مفتاح المفاوضات المباشرة هو "بيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"، مؤكدا أن "القيادة تبذل كل جهد ممكن مع الإدارة الأمريكية والأشقاء العرب لاستمرار إعطاء عملية السلام الفرصة التي تستحق". وبدوره أقر المبعوث الأمريكي، بوجود عقبات وصعوبات تعترض المباحثات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكرر ميتشل تأكيده على أن بعض الأطراف- دون أن يسميها- تحاول أن تفشل الأهداف التي تسعى كافة الأطراف لتحقيقها.

بين المفاوضات والمصالحة

في ضوء تعثر مشروع المفاوضات المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وقبول أطراف داخلية فلسطينية البدء نحو مشروع التسوية مع إسرائيل، ومعارضة الأخرى، على رأسها "حماس"، و"الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية- القيادة العامة"، يتساءل الشارعان الفلسطيني والعربي عن علامات مرور جديدة لملف "المصالحة الفلسطينية"، حيث اعتبر الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور طلال عتريسي في تعليق خاص إلى "الوطن" أن "تعثر المفاوضات بين السلطة وتل أبيب، سيؤثر سلبياً على ملف المصالحة بين رام الله وغزة"، مبرراً ذلك بقوله "إن فتح ستجلس على طاولة المفاوضات مع حماس بموقف ضعيف، وهو الذي لا تريده حكومة رام الله بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، ولأن حركة حماس وغيرها من الفصائل الأخرى لم تقدم أي تنازلات في ملفي التفاوض والمصالحة، من ضمنها كيفية التعاطي مع ملف المفاوضات، وبناء الدولة الفلسطينية، وإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية".

الخلاف الأمني

إلا أن مرشح الرئاسة الفلسطينية السابق، الدكتور عبد الستار قاسم، اختلف مع ما ذهب إليه عتريسي، في أثر فشل المفاوضات على حراك ملف المصالحة، مشيراً في حديثه إلى "الوطن" أنه "ليس لملف المفاوضات أي أثر جوهري من قريب أو بعيد على تسيير ملف المصالحة الفلسطينية، فهي لا تتعلق بجوهر برنامج كل طرف"، معتبرا أن "النقطة الجوهرية التي أغلقت وما زالت تغلق ملف المصالحة، هي التنسيق الأمني، وهو الذي يدر على السلطة الفلسطينية المال، لحماية أمن إسرائيل، وإذا ما أغلق هذا الملف فسيكون ملف المصالحة منفذاً"، إلا أن قاسم تحفظ على إمكانية "إتمام ملف المصالحة في القريب العاجل، نظراً للمعطيات والمؤشرات الدولية، التي تدفع نحو عدم إنجاح ذلك".

تدخلات دولية

وفي سياق ذي صلة، حمل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل، ما أسماها "أطرافا دولية تعارض إنهاء الانقسام الفلسطيني، وترفض إتمام المصالحة بين حركته وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)"، مسؤولية تأخر إتمام المصالحة، ولم يكتفِ رئيس "حماس" بذلك، فقد ذهب إلى أبعد، مشيراً إلى أن "استمرار الانقسام الفلسطيني يمثل وضعا مناسبا للولايات المتحدة وإسرائيل، التي تحاول استغلاله إلى أبعد الحدود"، موجها نقدا لقواعد اللعبة الدولية، ومصرا بطريقة أو بأخرى على تثبيت قواعد حركته قائلا إن "الحركة وجدت نفسها في الساحة السياسية الفلسطينية أمام خيارين: أحدهما، أن تخضع للضغوط الدولية والإقليمية وتعترف بشروط الرباعية الدولية وتعترف بإسرائيل، والثاني أن تنحاز إلى حقوق الشعب الفلسطيني وتصمد وتعمل على تغيير شروط اللعبة على أرض الواقع، ففضلت الخيار الثاني".

وتطالب اللجنة الرباعية الدولية، التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، "حماس" بـ"نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل"، وتدعو إلى حل يستند إلى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، تنفيذا لخارطة الطريق الدولية.

آفاق المصالحة

من جهته عقد "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" في بيروت، حلقة نقاش بعنوان "الحوار بين فتح وحماس وآفاق المصالحة الوطنية"، في يوليو الماضي، بحضور عدد من الأكاديميين والمهتمين بالشأن الفلسطيني. وروعي في اختيار الحضور تمثيلهم لأبرز التوجهات الفصائلية والفكرية على الساحة الفلسطينية، وكان من بين مخرجات الحلقة النقاشية في تفصيل أسباب الأزمة الفلسطينية، التغيير الذي يحصل على الساحة الفلسطينية بين قوة صاعدة وقوة مهيمنة، والثاني هو عدم وجود إطار مؤسسي وطني فلسطيني جامع، والثالث يتمثل في أزمة الثقة بين الفصيلين الرئيسين "فتح" و"حماس"، والرابع هو التدخل الخارجي بعنوانيه السياسي والأمني.

واتفق المؤتمرون على عدد من المعطيات الأساسية، التي وجدوها تمهد لمخرج من الأزمة، مشددين على ضرورة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وتنظيم مكوناته المختلفة، ومأسسة عملية صنع القرار الوطني الفلسطيني، كما الإقرار بأن الشعب الفلسطيني هو الذي يجب أن يحدد من الذي يمثله، معتقدين أن المخرج هو في حوار جدي غير مشروط، بآليات محددة، تشارك فيه جميع الفصائل، ويتناول جوهر المشكلات وأسبابها الحقيقية.

مواطن الضعف

المشاركون في الندوة، اتفقوا على عدة نقاط ضمن الواقع الفلسطيني، وجدوا أنها تمثل مواطن تراجع وتقهقر، منها ضعف اليسار الفلسطيني، والفساد المستشري في بعض قطاعات حركة "فتح"، وانتهاء عملية التسوية بالفشل، وكلها أمور انعسكت سلبا على الساحة الداخلية. كما اتفقوا على أهمية العامل الخارجي في الساحة الفلسطينية، فالخارج هو الطرف الممول، وهو الذي يرعى التفاوض، وهو الذي يقدم الشرعية. دون أن يغفلوا واقع "الاحتلال" وتأثيره الكبير، وإن كانوا اختلفوا على مدى تأثير العامل الخارجي، من متشائم يراه اللاعب الرئيسي الذي يشل تقريباً القدرة الفلسطينية الداخلية على حل الأزمة، ومن متفائل يجد أن الإرادة الفلسطينية الداخلية هي الأساس في حل الأزمة، وواقعي يجد أن العوامل الخارجية مهما كانت قوية، لن تجعل الحل مستحيلاً.

تجربة "مخيبة"

كثير من المشاركين في ندوة "بيروت"، أشاروا بنوع من "الخيبة" إلى التجربة التي قدمتها "حماس" للحكم في غزة، خصوصا في جانب الحريات، وهي بهذا تضاف إلى تجربة "فتح" السابقة، التي فشلت أيضاً بشكل أساسي بسبب ما اعتبروه "الفساد" الذي شاب عناصرها. ورأى الكاتب حلمي موسى، أن "السلطة هي الإشكالية الأساسية في التاريخ الفلسطيني الحديث، وأن الفلسطينيين خسروا (فتح) بعد وصولها للسلطة وخسرت (فتح) نفسها، وتكرر الأمر مع حماس". كما أضاف البعض إلى أسباب الأزمة إشكالية مجتمعية، "في ظل غياب فعلي للقانون، والاحتكام الدائم إلى منطق القوة والسلاح". وتم تصنيف الانقسام الحالي على أنه "أكثر حرجاً من الخلافات التي كانت تحصل سابقاً على الساحة الفلسطينية، لأنه انقسام جغرافي وبنيوي، مما يجعل المرحلة القادمة مرحلة حاسمة في تحديد المسار المستقبلي، في ظل استحقاقات رئيسية مقبلة، سواء استحقاقات محلية كالانتخابات الرئاسية، أو إقليمية كالانتخابات الإسرائيلية، وصفقة الأسرى، كما الوضع في العراق وإيران، أو دولية كالانتخابات الأمريكية".

مقترحات للحل

وفي سبيل اجتراح حلول ممكنة وعملية، تم اقتراح عدد من الإجراءات، منها: "عودة الغطاء العربي الفاعل في مسار القضية الفلسطينية، وتوحيد رؤية المشروع الوطني الفلسطيني، وتحديد الأهداف المرحلية، وتوحيد الأدوات السياسية وإعادة صياغتها، بدءاً بحكومة الوحدة والوطنية والأجهزة الأمنية ومأسسة عملية صنع القرار الوطني، مع الدعوة إلى توحيد المقاومة في مظلة وطنية جامعة، تجعل تنسيق الحسابات بين عمل المقاومة الميداني، واستراتيجيات الحراك السياسية، حسابات وطنية مشتركة، لا حسابات فصائلية مستقلة". إلى جانب عدد من الخطوات الأخرى، التي تتضافر مع سابقاتها، مثل: "التهدئة الإعلامية، وإطلاق الحريات، وإطلاق المعتقلين لدى كل من فتح وحماس"، وهي جميعها مبادرات تصلح لكي تكون مؤشرات على مدى جدية وإيجابية الطرفين في الحوار والمصالحة الحقيقية. ويضاف إلى كل ذلك، ضرورة إيجاد آليات محددة وواضحة للحوار، وإلى إشراك جميع الأطراف فيه، وعدم قصره على الثنائي "فتح" و"حماس"، بل وإشراك بعض منظمات المجتمع الأهلي النشطة.

الفتوى هي الأخرى دخلت ملف السياسية الفلسطينية، حيث أطلق شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، في 30 يونيو الماضي، فتوى اعتبر فيها أن من يعرقل "المصالحة الفلسطينية، آثم وعقابه عند الله يوم القيامة". معتبرا أن "المصالحة الفلسطينية فريضة شرعية وواجب مقدس"، مطالباً "الشعب الفلسطيني، والأمتين العربية والإسلامية، قادة وشعوباً، بدعم كل جهد صادق لتحقيق المصالحة الفلسطينية، والتوقف فوراً عن كل ما من شأنه إعاقتها أو تأخيرها"، معتبرا أن "الانقسام الحالي بين الفلسطينيين قاد المنطقة إلى ضرر محقق، وإزالة الضرر تقتضي زوال السبب، ومن ثم فإن الإخوة الفلسطينيين مدعوون لبذل كل الجهد لإتمام المصالحة، تأسيساً على القواسم المشتركة والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وعليهم نبذ التعصب الحزبي والفئوي والتسامي فوق الصغائر". وهي التصريحات التي اعتبرها بعض المراقبين، موجهة بالدرجة الأولى لحركة "حماس"، وموقفها الذي يراه صناع القرار في القاهرة، مؤخرا للمصالحة. إلا أن نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، الدكتور موسى أبو مرزوق، نفى في تصريح خاص إلى "الوطن"، ما ذهبت إليه الخارجية المصرية، من ضلوع حركته في تأخير إتمام المصالحة الفلسطينية، محملاً القاهرة – ضمنيا - المسؤولية بما اعتبره "انحيازها إلى حركة فتح، وعدم الأخذ بملاحظات الحركة"، مؤكداً بلغة جازمة أن "حماس لن توقع على الورقة المصرية ما لم تؤخذ ملاحظاتها على محمل الجد".

الفيتو الأمريكي

لماذا ترفض الإدارة الأمريكية المصالحة الفلسطينية؟ سؤال بحثه المحلل السياسي حسام الدجني، معتبرا أن "الإدارة الأمريكية تملك مفاتيح المصالحة الفلسطينية، والمعادلة أصبحت اليوم أكثر وضوحاً، فبدون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو أن المصالحة الفلسطينية بعيدة المنال".

الدجني عدد الأهداف الأمريكية لعدم إتمام "المصالحة الفلسطينية"، ومنها بحسب وجهة نظره "رغبة واشنطن في تمرير تسوية سياسية في ظل القيادة الفلسطينية الحالية، خاصة أن مهمة الجنرال الأمريكي السابق كيث دايتون، والحالي مايكل مولر لم تنته بعد"، وأشار الدجني أيضا إلى "وجود رغبة أمريكية في ترك قطاع غزة يعاني من الحصار السياسي والاقتصادي، من أجل تقديم نموذج للعالم عن حكم حركات الإسلام السياسي"، معتبرا أن ذلك "يدفع الإدارة الأمريكية نحو ممارسة الضغوط على كل الأطراف، من أجل رفض أخذ ملاحظات حركة حماس". وهو في ذات الوقت، رأى "أنه حتى لو وقعت حركة حماس على ورقة المصالحة المصرية، فإن الفيتو الأمريكي سيبقى مشرعاً على رقاب السلطة الفلسطينية، وسيفشل هذا الفيتو أي جهد عربي أو إسلامي أو حتى فلسطيني، لأن الإدارة الأمريكية ترى في الحالة الفلسطينية الحالية، التي مزقها الانقسام، هي الحالة المثلى من أجل الضغط على القيادة الفلسطينية، وتمرير تسوية سياسية على الشعب الفلسطيني، وقد تسري على الضفة الغربية، ويبقى قطاع غزة حقلا للتجارب السياسية والعسكرية والاقتصادية، حتى يخضع، وتخضع معه حركة حماس للقبول بالتسوية الجديدة، وهذا بالتأكيد سيواجه بالرفض من قبل حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس، لذلك يبقى سيناريو التدخل العسكري مشرعاً على رقاب الغزيين".

شجاعة المصالحة

من جهته، دعا نائب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، الدكتور كمال ناجي، حركة "حماس" إلى "عدم الاستغراق في التهم"، مطالبا إياها بـ"الشجاعة في مواجهة أخطاء أنفسنا وأخطاء الآخرين". مشيراً إلى أنه "لا اختلاف حقيقي على الساحة الفلسطينية، فهناك مشاكل، لكن الصورة ليست بالحدية التي تصورها حماس". وقال ناجي "إن ثنائية فتح وحماس هي ثنائية ضارة، وإن على اليسار الفلسطيني أن يلعب دوراً أكبر. وإن أي حوار أو اتفاق وطني يجب أن يشمل الجميع". كما رفض مقولة أن "هناك برنامجين على الساحة الفلسطينية، واحد للمقاومة وآخر للاستسلام أو المفاوضات"، مؤكداً أن "حركة فتح تعتمد استراتيجية ثنائية: المقاومة والمفاوضات، وأن المفاوضات هي عمل سياسي مطلوب"، وحتى "حماس" تمارس التفاوض بحسب ناجي، مستشهداً بـ"اتفاقية التهدئة الأخيرة مع إسرائيل".