في خبر منزوٍ في إحدى الصحف المحلية جاء خبر منح جامعة الدول العربية الممثلة في المنظمة العربية للتنمية الإدارية وأكاديمية جوائز الإنترنت في الوطن العربي جائزة درع الحكومة الإلكترونية لإدارة التربية والتعليم للبنات في بيشة في فرع الإبداع البنيوي على مستوى الهيئات والمؤسسات الرسمية والتعليمية.. وتسلم درع وشهادة الجائزة الأستاذ جلوي الكركمان في حفل أقيم في بيروت خصيصاً لهذه المناسبة.


إهمال هذا الإنجاز على مستوى الوطن يدل على سلبيات كثيرة يجب تجاوزها. فمسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة يتم دعمها ورعايتها والاهتمام بها حتى تكبر وتصبح إنجازاً على مستوى الوطن وبداية كل عمل كبير وجبار يبدأ بعمل متواضع يعطيه المسؤولون أهميته مستقبلاً فيحيطونه بالرعاية ويحفونه بالدعم ويلفونه بالتشجيع فيصبح عملاً كبيراً يفخر به الوطن وينعكس تقدماً وتطوراً عليه وعلى أفراده. تماماً مثل شجرة كبيرة وارفة الظلال يانعة الثمر طيبة المذاق تبدأ ببرعم صغير سهل التلف معرض للصقيع أو الظمأ أو الحشرات وإذا لم يجد هذا البرعم الرعاية والحماية ذبل في مهده فلا ظلال وارفة ولا ثمر يانع.


صدقوني نحن نعاني كثيراً من قتل المواهب والأفكار في مهدها.. سمعنا كثيراً عرض أفكار جديدة متميزة ويعلق عليها أحدهم بـ"هذه نظريات غربية" فيتبعه الجميع، وتقتل الفكرة. في مهدها.





وسمعنا كثيراً عن موهوبين قاموا بأعمال صغيرة يمكن احتضانها لتصبح كبيرة لكن أعمالهم كانت نهايتها حفل التكريم الذي اعتبر بمثابة الهدف الأخير لهذا الإنجاز. وإذا أردنا وضع النقاط على الحروف وتحدثنا بكل موضوعية نقول إن هناك أعمالاً جيدة تم تأسيسها لكنها لا تكفي.


مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع تقوم بعمل جليل لكنه لا يكفي لاحتضان كل المواهب على مستوى الوطن ورعايتها.. ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا تقوم بأعمال جليلة لكنها لا تكفي.


هاتان المؤسستان تحتاجان إلى أن تنافسهما بقية مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي الأخرى هذا أولاً، وعندما أقول لا تكفي أعني أن أبسط نظريات وقواعد اقتصاد المعرفة تقضي بأن تحول الابتكارات والاختراعات والأفكار الجديدة إلى ترجمة اقتصادية، بحيث تحول تلك الأفكار إلى إنتاج وصناعات تسوق على المستوى العالمي ليكون مردودها العلمي على الوطن تقدماً وازدهاراً على مؤسساته التنموية ويكون مردوداً اقتصادياً يشكل دخلاً إضافياً للوطن.


خذوا مثلاً ما تم في جامعة (MIT) التي تم فيها ثلاثة اختراعات قلبت العالم رأساً على عقب نمواً وازدهاراً وشكلت دخلاً عالياً للولايات المتحدة الأمريكية وهذه الاختراعات هي:


- (MRI): الرنين المغناطيسي الذي تحول إلى إنتاج إشاعات.


- (GPS) حول العالم من عالم الصناعة إلى عالم تدفق المعلومات و(القرية الكونية World Wide Web) والاستخدامات التي لا تحصر في المساحات والمواقع وكل ما يتعلق بها بدقة عاليه جداً.


- شركة سامسونج التي كانت نتاج بحث جامعي في كوريا تدر على كوريا 60 مليار دولار سنوياً.


هذا هو مستوى الاهتمام برعاية الأفكار الجديدة الذي ننشده.


أطالب أن تجذب بيشة الأضواء مرة أخرى بهذا التكريم وهذا الإنجاز مثل جذب الأضواء عندما تشرفت بيشة بتدشين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لأكبر سد في المملكة (سد الملك فهد في بيشة) الذي يخزن 325 مليون متر مكعب.


هذه المحافظة التي يحتضنها جنوبنا الحبيب تقدم اليوم للوطن إنجازاً عالمياً بفوزها بجائزة على المستوى الوطن العربي ويستحق هذا الإنجاز الدعم والرعاية والاحتضان ليتم توسيع دائرة الاستفادة منه ليعم كل الوطن بل كل العالم بإذن الله.


الذي قام بهذا الإنجاز مواطنون ومواطنات سعوديات وسعوديين من الشباب السعودي والشابات السعوديات الواعدين الذي أؤكد أنهم لا يقلون في فكرهم وطموحهم وجديتهم وهمتهم عن شباب وشابات اليابان أو ألمانيا أو أمريكا.


هم فقط يحتاجون الرعاية والدعم.. ويحتاجون أن تقوم مؤسسات البحث العلمي بالتنافس على دعمهم ورعايتهم واحتضان مواهبهم وإبداعاتهم وابتكاراتهم واختراعاتهم وتحولها إلى صناعات تجعلنا نفعِّل مفهوم الاقتصاد المعرفي.. وهذا الأمر يحتاج إلى خطة وطنية محددة المعالم وفاعلة يعمل فيها مؤهلون وتتابع كل برعم ينمو حتى يصبح شجرة وارفة الظلال.


هنيئاً لبيشة هذا التكريم وهذا الإنجاز وأدعو الله أن أراه وغيره ممتداً إلى آفاق الوطن الرحبة ليعود عليه وعلى أبنائه نمو وازدهاراً.. وهنيئاً لكل شاب وشابة شارك في هذا الإنجاز الذي أدعو الله أن يستمر وتتبعه إنجازات سعودية المنشأ عريقة كعراقة بلدنا المملكة العربية السعودية وأهلها.