خريطة وطني ليست على الإطلاق زوايا البوصلة الأصلية أو الفرعية، وخريطة هذا الوطن ليست هي الغرب والشرق والشمال والجنوب. خريطة هذا الوطن هم الرجال الأبطال، بدءا من ـ الستين ـ الذين كانوا مع الإمام عبدالعزيز يوم فتح الرياض ذات خامس من شوال مثلما هي ملايين النساء والرجال الذين يتوزعون نجاح هذه الأرض في مسيرة البناء والاستخلاف. أعظم فضائل هذه الوحدة هي تغيير البناء السكاني وتغيير دائرة توزيعه وانتشاره. وللذين ما زالوا يفكرون بزوايا بوصلة منحرفة، فإن لهم أن يعلموا أن 24% من سكان الغالية الرياض هم من أهل الشمال والجنوب، وأن نسبة سكان هذه الرياض من أهلها ـ الأصل ـ أقل من 7%. أشقائي وشقيقاتي اليوم يرفلون من خيرات هذه الأرض: في الشرق والغرب والوسط والجنوب. مدينتي اليوم تفخر بأكثر من سبعين عاما على قدوم عشرات الأسر النجدية الذين صاهروا وانصهروا وأصبحوا جزءا أصيلا من معالم هذه المدينة ومن أحجارها، فمن هو الذي ينسى آل الحديثي وآل العواد وآل الوابل، ومن هو الذي لا يتقاطع مع أبنائهم وأحفادهم الكرام ـ هنا ـ بصداقة أو نسب، ومن هو الذي سيتجاهل أثرهم وتأثيرهم البناء على نسيج هذه المدينة الثقافي والاجتماعي، وعفوا إن مررت دون ذكر مئات الأسر الأخرى من كل أرجاء هذا الوطن. ومثل كل مدن هذه الأرض فإن ـ أبها ـ اليوم وجوه وطن لخارطة وطن. أعظم فضائل الوحدة هي فضيلة تمازج الوجوه من كل حدب وصوب. لم تعد مساقط رؤوس الآباء والأجداد لنا إلا مواعيد ذكريات حين يفتح لنا هذا الوطن كنوزه وخيراته في كل مكان حتى بتنا نسيجا هائلا لصورة ـ السعودي ـ الذي صار شارعه الذي يسكن به هو: المملكة العربية السعودية.

والذين يختزلون هذا ـ الوطن ـ في زوايا البوصلة، وعفوا على التشبيه ـ إنما يشبهون أصحاب الكهف. الذين يختزلونه في مساقط الرؤوس إنما هم نائمون في كهوفهم لمئة عام وحين استيقظوا لم يسألوا عن تفاصيل ـ السعودية الجديدة ـ المختلفة ولا عن ملايين المؤتلفين الذين تمازجوا وتصاهروا وانصهروا في مجتمعات ـ السعودي ـ الجديد. الذين يحرسون الشمال اليوم هم أبناء الغرب، والذين يسهرون على مؤانئ الشرق هم أبناء كل البوصلة، والذين بنوا مدن الحادي والعشرين هم أبناء القرن التاسع عشر ومن ينظر بغير هذه العيون: إما أنه كان نائما ثم ـ جهلل ـ وجهل أو أنه مريض يحتاج لعيادة نفسية.