العمل الإداري ـ أيا كان حجمه ونوعه ـ هو فضائل وأخلاق وحسنات قبل أن يكون خبرات ومهارات إدارية.. ولذلك عندما تهتز ثقة الإنسان بنفسه يقوم بطمس إنجازات سلفه تماما.. يشمئز من ذكر اسمه.. ينكر له فضله.. يبدأ في تجاهله في حفلات العمل، ولا يأتي على ذكر اسمه أبداً، وكأنه الموت الذي يفر منه الناس!

يبدأ في عرقلة المشاريع التي أرساها السلف.. وتغيير آلية العمل ومنهجية الأداء.. فقط ليقول إن الانطلاقة الحقيقية للعمل تبدأ معه هو! لكن الرجل الواثق من نفسه يمد يد العرفان والامتنان للذين سبقوه في إدارة العمل.. يذكرهم ويذكر لهم ما قدموه من إسهامات وخبرات.. يحرص على تنمية المشاريع التي بدأها السلف.. يقوم برعايتها.. متابعتها.. تطويرها.. دعمها.. تنميتها.. بل ويبحث عن الأفكار التي طرحها السلف، ويقوم بترجمتها على أرض الواقع.. وحينما تكون الفرصة مواتية له يقوم بدعوة من سبقه لزيارة مكان أو مركز العمل.. ويقوم بتكريمه..

هذه سنة حسنة.. ومنهج إداري حكيم وسليم.. وتكشف عن إنسان متصالح مع ذاته قبل أن يكون متصالحا مع غيره.

أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد يستحق أن ترفع له القبعات تقديرا له على المنهج الإداري الذي يتسم به.. فقد فاجأ الأوساط الاجتماعية قبل أيام بإعلانه أن أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل سيحل ضيفا على أمير وأهالي المنطقة في افتتاح مهرجان أبها السياحي وأن أهالي المنطقة سيقيمون تكريما خاصا للضيف..

أجزم تماما أن الأمير خالد ليس بحاجة للتكريم والأمير فيصل ليس مجبورا على التكريم.. لكنها والله سنة حسنة وفعل إداري بالغ الروعة.. الرجل قدم رسالة للآخرين، مفادها أن الوفاء من شيم الكبار، وأن الناس راحلون مهما أطالوا البقاء..

البقاء فقط لأعمالهم الحسنة التي ستتوارثها الأجيال.