أكتب مقالي من تركيا التي يتفق الجميع على أنها حققت ـ ومازالت ـ تطورات كبيرة على المستويين الداخلي والخارجي، ولا أدل على ذلك من نتائج الانتخابات الأخيرة التي أثبت بها الإنسان التركي تصالحه مع ماضيه القديم، وحاضره الجديد، حتى أصبحت بلاده رمزاً للتنظيم والتخطيط، ورمزاً لتوفير الرفاهية، ورمزاً لتحقيق (العدالة) الاجتماعية، و(التنمية) العامة. المتابع للشأن التركي يلاحظ أن الجمهورية التركية ومنذ مدة ليست بعيدة بدأت تشكل جانباً فاعلاً من الجسد الواحد للأمة الإسلامية، من خلال أمور كثيرة من أبرزها فتح باب علاقات اقتصادية كبرى بين تركيا وبين جيرانها العرب بالخصوص. وهذا التجاذب التركي العربي الملحوظ، له أسبابه الكثيرة، ومن ذلك على سبيل المثال، تصريح رئيس الوزراء التركي؛ رجب طيب أردوغان لقناة "T R T" التركية الناطقة بالعربية، بمناسبة تدشينها، قال فيه: "إن العرب والأتراك مثل أصابع اليد الواحدة، والعلاقة بينهم علاقة الظفر باللحم.. إن تركيا لا يمكنها العيش بدون العرب.. وبدون العرب لا معنى للعالم".

تركيا الجديدة ودورها المزدهر، ساهمت فيه أمورٌ وأمور، ومنها النمو الاقتصادي الواضح، ومنها الخطاب الديني الوسطي والمعتدل والمتسامح والمنفتح على جميع الناس ـ التركيبة السكانية لتركيا معقدة، ومكونة من عشرات اللغات والأعراق؛ الأتراك (66%)، الأكراد (30%)، الزازا (وهم فرع من الأكراد يتكلمون لهجة خاصة بهم من اللغة الكردية) (2%)، العرب (1%)، الشركس (0،5%)، الجورجيون (0،5%) وغيرهم.. 90% من هذه الأعراق تتكلم اللغة التركية؛ التي تعتبر اللغة السابعة من بين 4000 لغة حول العالم، من حيث الانتشار والاستخدام، ونسبة المسلمين تتراوح بين 97% إلى 98%ـ. المسلمون الأتراك فهموا أن الإسلام دين (عدالة وتنمية)، ودين عمل وبناء وإنجاز، لا دين خطب ومواعظ ـ فقط ـ، ومع فهمهم الثاقب بأن دولتهم علمانية استطاعوا ـ بمعونة الله سبحانه وتعالى ـ ما استطاعوا الوصول إليه، لأنهم لا يتصارعون مع بعضهم البعض، ولا يتبادلون الاتهامات، ولأنهم تعلموا الحكمة ومارسوها، ولأنهم كما حاربوا الفقر حاربوا (الفرقة)، ولأنهم أشاعوا ثقافتهم الإسلامية، ولم يتوقفوا أبداً عند حدود الثرثرة، ولأنهم متيقنون من أن إقبال الناس من مختلف الثقافات والحضارات للسير نحو أفق التفاهم كبير، ولأنهم يثقون في أن احترام الأفكار والنظرات، مع الفهم والحوار والاتفاق على القواسم المشتركة، يشكل قلعة حصينة ضد الشر والأشرار. إن تمكن مسلمي تركيا من بناء علاقات وطيدة بينهم وبين غيرهم داخليا وخارجيا، جعلهم أكثر فئات المجتمع التركي إبداعاً.. واضح جدا أن تركيا تتحسن وتتغير يوماً بعد يوم، ولمعرفة السر، ابحثوا فضلا عن الأسباب.. المشهد التركي يبدد الهموم.. و(تركيا الجديدة) جميلة.. ولن يشعر بجمالها الأخَّاذ إلا من استطاع أن يخلص نفسه ظاهراً وباطناً من عقدة (تركيا القديمة) التي استبدلت المبادئ الإسلامية بالأعراف العلمانية القومية، والتي استبدلت الأحرف العربية بغيرها في الكتابة، والتي فصلت الدين عن الدولة، والتي طردت من طردت، ومنعت ما منعت، وأمرت بما أمرت.

من حديث الذكريات:

1430هـ = 2009م/ مدينة دافوس شرق سويسرا/ المنتدى الاقتصادي العالمي/ الدورة 39: "..اسمع يا (بيريس) أنت رجل أكبر مني سنا، وأنا ألاحظ بأن صوتك يعلو شيخوختك، وهذا يدل على شعورك بالذنب، والرغبة بأن تغطي جرائم تخاف من عواقبها... أنا أمقت كل من صفق ويصفق لحديثك العاري من الصحة... أنتم لا تعرفون سوى قتل الأبرياء... أنتم تجيدون مهنة القتل... وستذوقون ـ بأمر الله سبحانه وتعالى ـ ما لا حمل لكم عليه...".