كتبت وناقشت، وما زلت أكرر ما كتبت بأن مستقبل اقتصاد المملكة العربية السعودية بعد مئة عام سيكون مبنيا على اقتصاديات الحج والعمرة، والسياحة بعد الحج والعمرة للمناطق الأثرية قبل وبعد الإسلام في الجزيرة العربية، التي سكن بعض أجزائها أتباع الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية، وظهر الإسلام فيها بمكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث وحد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بالإسلام جميع الأديان السابقة في أنحاء الجزيرة، وسارت من بعده الفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى إسبانيا غربا وانتشر الإسلام بدعاته شرقا إلى الهند وإندونيسيا والصين وغيرها من دول الشرق. ويقلل بعض المسؤولين الكبار من رؤيتي ورؤية بعض الاقتصاديين والباحثين في مستقبل البترول ومدة بقائه، ويرى البعض أن ثروة المملكة لن تنبض وإذا نبضت هناك بدائل الثروة المعدنية التي لن تنبض من المملكة. وهي آراء قد تكون مبنية على دراسات إلا أنها غير موثقة علميا. كما أنني كباحث اقتصادي لم اطلع أو أرى أي بحث موثق يؤكد بأن طاقة البترول والغاز والمعادن لن تنبض إلى الأبد.
وسبق وأن كتبت في هذا، وسبق وأن صرح بعض كبار المسؤولين السابقين في وزارة البترول بأن مجموعة من خبراء الطاقة في العالم الذين يجتمعون بصفة غير رسمية كل عام، يعلمون جيدا حجم المخزون البترولي والغازي في كل دولة ويؤكدون أن البترول لن يتجاوز المئة عام في بعض الدول وأقل من ذلك كثيرا في دول أخرى، وسيكون مستقبل الطاقة البديلة هو الأقوى، وعندها ستنتقل مراكز القوى الاقتصادية في العالم من بعض مجموعة الدول المنتجة للبترول والمصدرة له والفاقدة للتقنية الحديثة إلى الدول المنتجة للبترول الصناعية أو غير منتجة له ولكنها تملك التقنية للطاقة البديلة والتي ستعكس الآية وستحول معظم عجلة الصناعة والتنمية إليها، وتتحول كثير من الدول التي كانت منتجة ومصدرة للبترول والغاز إلى دول مستوردة للطاقة البديلة.
وستتغير التركيبة الاقتصادية من دول غنية تتحول إلى فقيرة ومن فقيرة تتحول إلى غنية. وهذا يدفعني للإشادة بقرار الحكومة السعودية في الأسبوع الماضي بإنشاء شركة تقنية شركة حكومية تتبنى الأبحاث العلمية وتحولها إلى واقع تقني حديث في مجالات مختلفة منها الطاقة.
ورغم أن هذا ليس هو موضوعي لمقالتي اليوم، إلا أنها المقدمة المحفزة للموضوع الرئيس الذي سبقني به بعض الكتاب الاقتصاديين وبعض الباحثين الذين أجروا دراسات اقتصادية أكدت بأن المملكة اهتمت وطورت السياحة الدينية بقصد زيادة القدرات الاستيعابية والخدمية وتطوير البنية التحتية لاستيعاب المسلمين المعتمرين لبيت الله وزيارة مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، لأكثر من خمسين مليون مسلم في عشرة أشهر باستثناء شهري ذي القعدة والحجة المخصصين للمسلمين قاصدين الحج. وربط برنامج السياحة ما بعد العمرة لزيارة المناطق الأثرية ما قبل وبعد الإسلام، وهو برنامج اعتمد خطته التنفيذية سمو الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار. وسيتم إطلاقه قريبا ليتيح للمعتمر السياحة في السعودية خارج مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهي خطوة مهمة جدا في الاستفادة القصوى من برنامج زيارة المسلمين القادمين للعمرة للاطلاع على الآثار الإسلامية وآثار ما قبل الإسلام.
ورغم معارضة البعض لبرامج السياحة للآثار وتوجه البعض في مرحلة من المراحل الماضية إلى محاولة هدم وإخفاء بعض الآثار الإسلامية، إلا أن التاريخ لا يمكن أن يمحو الآثار الإسلامية من كتب وقواميس الآثار في العالم. ويشكر أولئك القائمون على تسجيل التاريخ الإسلامي بآثاره الإسلامية وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس دارة الملك عبدالعزيز صاحبة أكبر توثيق إسلامي في الجزيرة العربية وصاحب فكرة تسجيل تاريخ المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
إن من أهم الآثار قبل الإسلام مثل مدائن صالح في الشمال وآثار الأخدود في الجنوب حيث قام اليهود بحرق المسيحيين ودفنهم في الأخدود بالإضافة إلى إعلان هيئة السياحة مؤخراً عن عدد من الاكتشافات الأثرية الهامة في الفترة الأخيرة ومن أبرزها الموقعان الأثريان اللذان تم اكتشافهما مؤخراً، أحدهما في "دفعى" ويعود للقرن الثالث قبل الميلاد والاكتشاف الثاني في "مردومة" ويعود للقرن الهجري الأول، واكتشاف أول نقش هيروغليفي في الجزيرة العربية على صخرة ثابتة بالقرب من واحة تيماء يحمل توقيعا للملك رمسيس الثالث أحد ملوك مصر الفرعونية الذي حكم مصر بين 1192 ـ 1160 قبل الميلاد. واكتشاف قرية أثرية تعود لفترة صدر الإسلام في موقع الراكة بالمنطقة الشرقية إضافة إلى عدد من الاكتشافات الأخرى نتيجة الجهود الجبارة التي تبذلها الهيئة.
إن الاهتمام بالآثار الإسلامية وما قبل الإسلام يحظى باهتمام جميع الباحثين في مجال الآثار في العالم وتدرس في الجامعات العريقة وتنظم رحلات سياحية للآثار في جميع أنحاء العالم ولقد عاشت ومازالت تعيش سياحة الآثار في مصر على معلومة أن ثلاثة أرباع الآثار في العالم هي في مصر. ونحن نقول إن أرض الجزيرة العربية بصفة عامة وفي المملكة العربية السعودية 90% من أهم الآثار الإسلامية وأقربها لعهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجلها في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
إن الجهود التي يبذلها الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة هي جهود جبارة لها بعد اقتصادي على المدى الطويل. وأجزم بأن بعدها الاقتصادي سيكون منافسا لإيرادات البترول والغاز وبديلا لهما على المدى الطويل، إلا أنه يحتاج إلى مزيد من الدعم والمساندة لتحقيق أهدافه. وهذا ما يدفعني اليوم للمطالبة بتحويل هيئة السياحة السعودية إلى وزارة للسياحة والآثار، ويدخل تحت إشرافها تنظيم العمرة وربطها بالبرامج السياحية.
إن مطالبتي بتحويل الهيئة إلى وزارة لا تنطلق من رغبة في تضخيم الاسم وإنما تطلعا لمزيد من التطور في مجال السياحة لتصبح رافدا اقتصاديا مؤثرا في إيرادات الدولة أسوة بوزارات السياحة في الدول الأقل أهمية من المملكة. وإن المسؤوليات الملقاه على الهيئة ـ من وجهة نظري ـ أكثر من ضخمة حيث استطاعت أن تحفر في الحجر لترسيخ مفهوم السياحة الداخلية والإسلامية، وعملت بكل الحجج على ترسيخ مفهوم الآثار وفك الارتباط الفكري بين الآثار كعلم والآثار كأماكن للعبادة والتبرك بها.
هي رؤية شخصية اقتصادية طرحتها في الماضي من وجهة نظر أخرى، وأطرحها اليوم من وجهة نظر اقتصادية ترتبط بمستقبل أجيال قادمة لن نلحقها.