بينما اكتفت وزارة التربية والتعليم بمراقبة الخطة التعليمية وتنفيذها والإشراف على المناهج، وفيما اقتصر مجلس الوزراء على تقييد المدارس الأهلية بأوقات معينة لرفع أقساطها دون الاكتراث بمقدار الزيادة، استطاعت معظم هذه المدارس التقاط طوق النجاة وانتشال نفسها من زيادة رواتب المعلمين لترمي بذلك العبء المادي على عاتق أولياء الأمور دون أدنى مسؤولية لما قد تتسبب به من مشاكل تعليمية واجتماعية ذات مردود سيّئ على مجتمع بأسره.
شكاوى لا حصر لها من أولياء الأمور يستغيثون بها من هذه الأزمة التي صنعتها المدارس الأهلية في سباقها الجشع لرفع رسوم أقساطها واستغلالها للأمر الملكي الذي ينص على ''زيادة رواتب المعلمين والمعلمات السعوديين" في كسب المزيد من المال عن طريق استنزاف جيوب الأهالي. بررت بعض المدارس زيادتها برفع الرواتب، على الرغم من أنها لا تتحمل سوى نصف راتب المعلم، واكتفت مدارس أخرى بعدم التصريح عن سبب تلك الزيادات والتي وصلت - كما أفاد أحد الآباء- إلى ثمانية آلاف ريال للطفل الواحد ليصبح ناتج زيادة رسوم أبنائه الثلاثة في المرحلة الابتدائية أربعة وعشرين ألفاً، وبذلك يصبح مجموع أقساط الدراسة لأبنائه الثلاثة تسعين ألف ريال بدون الكتب المدرسية والزي المدرسي والمواصلات!
لن ينتهي حد جشع تلك المدارس - التي أصبح من الصعب علينا وصفها بالمؤسسات التربوية - عند إجبار الأهالي على دفع تلك المبالغ غير المقبولة أو الانسحاب من المدرسة، بل كما يتوقع رئيس لجنة التعليم الأهلي في غرفة الرياض إبراهيم السالم، أن يخرج 30% من المستثمرين في هذا القطاع، خصوصاً في المدن والقرى الصغيرة، فتقفل صفوف دراسية ومدارس بأكملها، ليبقى معلم بلا سبورة، ومشرف بلا طلاب، وتربويون بلا وظائف، وشهادات بلا توظيف، وكيف لمصطلح "كالبطالة" أن يشرح بعد كل هذا وضع من حصلوا على وظائف ثم أجبروا على تركها؟
من الطبيعي أن يصاحب تنفيذ الأوامر الجديدة – كأمر زيادة رواتب المعلمين - عقبات غير متوقعة تعيق الاستفادة المثلى من الخطة المدروسة، ولكن غير الطبيعي هو أن ترمي كل جهة بالمسؤولية على الجهات الأخرى وتتملص من المبادرة الإيجابية بتقديم أعذار ومبررات واهية. ولأن بعض المسؤولين "دائماً" مشغولون حتى عن أشغالهم نفسها، فإننا بآخر المطاف لن نجد مجيبا على اتصالاتنا رغم كثرة التحويلات، ولا مستقبل عند تواجدنا في كل تلك المكاتب المتعددة، وهكذا تتعدد الجهات والإهمال واحد...
عاش المواطن على كلمات الصبر والاحتساب كثيراً، ولم تعد أعقاب الوعود المطفأة قابلة لإشعال الانتظار والأمل فيه. المواطن بحاجة ماسة لسقف حماية يحميه من جشع هؤلاء الذين لم يخجلوا من قولبة العلم في قوالب تجارية لصناعة المال وهم يظنون أنهم يتاجرون مع الله في تعليم أجيالنا القادمة، وما علموا بحجم تلك الأمانة التي يحملونها، وما وجدت تلك الأمانة من يحميها.