أشعر أحياناً.. أن البلد ولله الحمد مليء بفضاءات وفضائيات التحليل. أن البلد مزدحم بآلاف النوابغ الذين يتوزعون على قنوات المدح والسدح والردح. أشعر أحياناً.. أن الشوارع امتلأت بالدكاترة، حتى شككت أن والدتي قد اشترت لها طرف كرتون لشهادة من جامعة براغ التشيكية أو من فرعها في شقة بمدينة الحرجة المجاورة. أشعر أحياناً.. أن السعوديين قد ملؤوا الآفاق وأنهم في اللحظة الواحدة يتوزعون على قنوات الأرض ونصفهم على الهواء بينما نصفهم يجوب – الماء – هارباً من محطة إلى محطة جديدة. أشعر أحياناً... بالقلق الشديد على مستقبلنا نحن – أساتذة علم الكلام – لأن البلد امتلأ بالخبراء والعلماء والفقهاء والمحللين، فلمن نبيع بضاعتنا في المستقبل، ومن هو الذي سيقف ليستمع إلينا على مسارح الحناجر كي نتلو على آذانهم شوارد النظرية؟ أشعر أحياناً بالقلق الشديد، وكلما فتحت قناة فضائية وجدت عليها سعودياً يحاور. أهرب للأخرى فإذا بجاره يحاضر. أفتح الثالثة فإذا بصوت آخر يناور. أهرب حتى يذوب بين يدي – جهاز الريموت – فلم يذب هذا السعودي عن فضاء ولا قناة. أشعر أحياناً أننا فهمنا قصة – علم الصعود إلى الفضاء – بطريقة مختلفة. أشعر أننا نعيش في – الفضاء – ولكن في فضائيات القنوات المختلفة. أشعر أننا درسنا قصة عالم الفضاء الروسي ورائده – جاجارين – في حصة – العلوم – ولكننا قلدناه في دروس التعبير بطريقة مختلفة. أشعر أحياناً أننا اكتشفنا قصة صعود الأميركي أرمسترونج إلى القمر فصعدنا بصورنا من فوقه إلى الأقمار الصناعية في نصف المسافة ما بين المشتري والزهرة. أشعر أحياناً.... أنه اختلط لدينا الأمر ما بين صحون الفضاء وصحون الكبسة. أشعر أحياناً... أننا أصبحنا نوابغ في كل فن وعلم، وإن بلغ الرضيع لنا فطاماً، فلدينا القدرة أن نشتري له أقوى – كارتون – ماجستير – من شقة مجاورة. أشعر مع طفرة النبوغ الهائلة أن البلد سيقبل بعد أشهر من هذه الساعة على: أزمة شعير مفتعلة.