تمر إريتريا بظروف صعبة منذ حصولها على الاستقلال عام 1991. فبعد الحرب المدمرة التي خاضتها ضد إثيوبيا (1998-2000)، عمل النظام العسكري في إريتريا على تضييق مجال الحُريات السياسية إلى حد كبير ولم يسمح بقيام أي نوع من أنواع المعارضة الحقيقية. تتسم علاقات إريتريا بالتوتر وعدم الاستقرار مع دول المنطقة والمجتمع الدولي بشكل عام. بناء على توصية من الاتحاد الإفريقي، فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات اقتصادية على إريتريا منذ عام 2009 بسبب دعمها لحركة التمرُّد الإسلامية في الصومال. وتقول دراسة نشرتها مجموعة الأزمات الدولية في شهر سبتمبر الحالي إن هذه العقوبات حوَّلت إريتريا إلى دولة محاصرة، وأصبحت حكومتها تتعامل بشك وريبة مع الشعب الإريتري نفسه ودول الجوار والعالم الخارجي بشكل عام. وبسبب عدم امتلاكها لأية موارد طبيعية أو ثروات زراعية أو صناعات فإن النظام الاقتصادي في إريتريا ولد مشلولاً، ولهذا فإن عشرات الآلاف من الإريتريين يهربون من هذا البلد الفقير، وهم يشكلون الآن جاليات كبيرة من طالبي اللجوء في أوروبا وأمريكا الشمالية.
لكن إريتريا تُعتبر مجرَّد انعكاس لمحيطها السياسي القاسي، ولا يمكن اعتبارها بأي حال العامل الوحيد في إفساد شؤون المنطقة. لذلك يوصي تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" أن يقوم المجتمع الدولي ببذل مزيد من الجهود لفهم جذور الريبة والشك التي تمثل أساس سياسة إريتريا وإجراء تواصل أفضل مع قيادتها، بدلا من زيادة عزلتها، حتى يمكن التعامل مع المخاطر التي قد تنجم عن بقاء الوضع على ما هو عليه أو زيادة تدهوره.
إن الشكل العسكري الاستبدادي للثقافة السياسية في إريتريا له جذوره في تاريخ المنطقة الذي يتميَّز بالعنف. كانت حرب الاستقلال التي دامت 30 عاماً جزءاً من شبكة من الصراعات التي دمَّرت منطقة شمال شرق إفريقيا. والأهمية الحقيقية لذلك الإرث التاريخي لم تتضح إلا في العقد الماضي، حين قام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي مع مجموعة صغيرة من المقاتلين القدماء بتقوية قبضتهم على السلطة وقمع الحُريات الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، وفضلوا اتباع أجندة ترتكز على الوحدة الوطنية ومبدأ أن إريتريا محاطة بالأعداء. أنصار الرئيس الإريتري، الذين تتناقص أعدادهم مع مرور الوقت، يؤكدون أنه هو وحده يمتلك الرؤية لقيادة إريتريا في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها. أما منتقدوه فيقولون إنه أعاق عملية بناء الدولة، وخان تضحيات مئات الآلاف الذين حققوا الاستقلال ودافعوا عنه، وجلب الدمار إلى البلد.
وبحسب التقرير فإن الوضع في إريتريا يزداد سوءاً إلى حد كبير. فمنذ الحملة التي أنهت فترة قصيرة من الحرية النسبية، امتلأت السجون بالمعارضين السياسيين والنقاد ورموز المعارضة الدينية والصحفيين وغيرهم. ويستغل الرئيس الإريتري المواجهة مع إثيوبيا لتبرير القمع الداخلي والمغامرات العسكرية في المنطقة. نقضت إثيوبيا جزءاً من معاهدة الجزائر التي أنهت الحرب، خاصة بعدم قبولها قرار اللجنة الخاصة الملزم حول الحدود. وعزز عدم قيام مجلس الأمن بإلزام إثيوبيا بالوفاء بالتزاماتها الإحساس لدى المسؤولين في إريتريا بأن المجتمع الدولي يتخذ موقفاً معادياً لبلدهم. ونتيجة لذلك، قامت إريتريا بوضع قيود على قوات حفظ السلام الدولية مما أدى إلى انسحابها في عام 2008 من المنطقة منزوعة السلاح بين إثيوبيا وإريتريا. انتقل التوجه العسكري للسياسة الإريترية إلى السياسة الخارجية، حيث قامت إريتريا باستخدام الرد العسكري والمغامرات العدائية بدلا من الدبلوماسية التقليدية. وحتى الآن، دخلت إريتريا في مواجهات مسلحة، مباشرة أو غير مباشرة، مع إثيوبيا، اليمن، جيبوتي، والسودان، وورطت نفسها بأشكال متعددة في الصراعات في شرق السودان، ودارفور، والصومال. ومع أنها تؤكد أنها تقوم بما تمليه عليها متطلبات الأمن القومي وتنتقد الولايات المتحدة بشكل خاص بسبب تدخلها في شؤون الآخرين، فإن سلوك إريتريا العدائي سبَّب لها عُزلة متزايدة.
تدهور الاقتصاد الإريتري بسبب التقلبات المُناخية، وقيام الدولة بتدمير القطاع الخاص، والإنفاق العالي على القوات المُسلَّحة. ومن المثير للدهشة أنه لم تحدث حتى الآن احتجاجات اجتماعية هامة، لكن الضغط يتزايد داخل وخارج الحدود وبين الإريتريين المقيمين في الخارج الذين تُعتبر تحويلاتهم المالية أحد أهم مصادر الدعم، وهناك عدد من جماعات المعارضة في الخارج بدأت تنشط ضد النظام. لتجنب أزمة جديدة في القرن الإفريقي، يقول التقرير إن المجتمع الدولي وإريتريا يحتاجون إلى مستوى جديد من المرونة. ومن المهم أن يتواصل المجتمع الدولي مع إريتريا، سياسياً واقتصادياً، ويقدر مشاكل البلد الداخلية والضغوط الخارجية التي يتعرض لها. كما أن المساعدات الإنمائية وتحسين العلاقات التجارية مع المجتمع الدولي فيجب أن يتم ربطها مع إجراء انتخابات وطنية وتطبيق الدستور. كما يجب أن يقوم مجلس الأمن الدولي بالضغط على إثيوبيا لقبول قرار الحدود. كل هذا ضروري لمنع ظهور دولة فاشلة أخرى في القرن الإفريقي.