واصل الباحث الشرعي والمتخصص في العقيدة الأستاذ المساعد بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى الدكتور عبدالعزيز بن أحمد الحميدي عبر برنامج "همومنا" الذي بثه التلفزيون السعودي أمس ايضاح الحقائق حول العديد من الأمور الشرعية التي تتطلب التبصير والتبيان.
وتناول الحميدي في حلقة الأمس مسألة الجهاد وضوابطه وغاياته, مبينا أنه شعيرة مشروعة تخضع كغيرها من التعبدات الكبرى إلى شرع الله وضوابطه وتحقيق مصالحه، مؤكدا أنه ليس "القتل" كقتل مقصودا في الجهاد، فضلا عن التدمير والقتل العشوائي وإحداث الرعب، لافتا إلى أن الجهاد وسيلة من وسائل إيصال الخير والهدى والحق للناس.
ويرى الحميدي أن من أعظم الأمور مراعاة حدود الله في كل أمر استجابة لقوله تعالى "والحافظون لحدود الله", منبها إلى قضية أن الإنسان تتحكم فيه دوافع ونوازع تتفرع من ثلاثة دوافع أساسية يسمونها القوة الشهوانية أوالقوة الغضبية أوالقوة العقلية. فالقوة الشهوانية مثل حب المال والنساء والشهرة إذا تحكمت فيه أصبحت مسيطرة عليه وأصبح لا يرعى شرعا ولا يرعى حرمة الله ولا يرعى حدود الله, وكذلك القوة الغضبية إذا لم تنضبط بالحفاظ على حدود الله، تصبح مثل القوة الشهوانية وتدفع الإنسان إلى تجاوز حرمات الله.
وأوضح الحميدي أن اجتماع القوة الشهوانية مع القوة العقلية تدفع للإعجاب بالرأي ليقود إلى القوة الغضبية، بالتالي سينغلق عليه الهدف الحقيقي من الجهاد، فتتحول نوازعه النفسية إلى الانتقام بالقسوة وبإحداث أكبر قدر ممكن من الرعب مثلا، وبإثبات الوجود للموجودين ويخرج هنا بالجهاد عن هدفه الأسمى.
الجهاد بين الجذب والإغراء
وحول تحول الجهاد الذي يعد ذروة سنام الإسلام وأعظم الأعمال وأزكاها وأيسر الطرق إلى رضوان الله إلى صورة يقصد به التدمير وبأنه قتل الأنفس وبأنه عدم احترام حقوق الآخرين، قال الحميدي: "الجهاد كلمة عظيمة وجذابة ومغرية وهو ذروة سنام الإسلام ولا يستطيع أحد مهما كان أن يقلل من شأنه أو يحجمه، فهو ذروة سنام الإسلام، ولكن الجهاد هو شعيرة مشروعة تخضع كغيرها من التعبدات الكبرى لشرع الله وضوابطه وتحقيق مصالحه، فليس القتل كقتل مقصودا في الجهاد، فضلا عن التدمير والقتل العشوائي وأحداث الرعب، إنما هو وسيلة من وسائل إيصال الخير والهدى والحق للناس وفقا لما فهم من نص كتاب الله ـ عز وجل ـ في سورة الحديد، "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات والهدى وأنزلنا معهم الكتاب والميزان".
وفي هذه الآية بين الله ـ جل وعلا ـ أنه أرسل الرسل والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وأنزل معهم البينات وهي الحجج الواضحات البينات الدالة على صدقهم والدالة على وجوب عبودية الله ـ جل وعلا ـ وأنزل معهم الكتب والشرائع والميزان ليوزن به الحق والباطل والهدى والضلال، ليؤمن من يؤمن عن بصيرة، ويكفر من يكفر عن بينة, فيحيا من حيّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة، ثم أخبر ـ عز وجل ـ أنه أنزل الحديد الذي هو آلة الحرب الأساسية، ومنه تصنع جميع أنواع الأسلحة التي يتقاتل بها الناس ويتحاربون عبر التاريخ البشري كله، وأخبر أن هذا الحديد فيه بأس شديد وفيه منافع للناس, وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب.
واستشهد الحميدي في مجمل رده بقول الشيخ ابن تيمية في تفسير الآية ورد ذكره في جزء الجهاد في مجموع الفتاوى "متى اجتمع الكتاب الهادي مع الحديد الناصر حصلت المقاصد العظمى في ظهور الحق ودفع الباطل، والضرر كل الضرر والخطر إذا افترق الكتاب الهادي عن الحديد الناصر عندها يتحول الحديد ليس إلى ناصر للكتاب ومثبت للحق ودافع للباطل، وإنما آلة قتل وتدمير عشوائية لتفريغ أحقاد وإحن وثارات وغارات تلبس ربما بلبوس المقاصد الشرعية"، يؤكد هذا المعنى الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ونرجع له لأنه مصدر عظيم من مصادر العلم، وضع كتابا ضخما جدا ضمن كتابه الجامع اسمه "كتاب الجهاد والسيّر"، قال هذا كتاب الجهاد والسيّر، والسيّر جمع سيرة، لذلك يقول شراح الحديث كالحافظ وغيره السيّر جمع سيرة، ومنها سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باعتبار أن الجهاد إنما يكون جهادا على منهاج الله ومراد الله إذا كان على سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومنهجه وطريقته ـ وما وضعه النبي صلى الله عليه وسلم ـ من أهداف وغايات ومن وسائل محققة لتلك الأهداف والغايات، أما إذا افترق اسم الجهاد عن المنهج كما افترق الحديد الناصر عن الكتاب الهادي صار اسمه جهادا اسما، وهو في الحقيقة قتل عشوائي وتدمير وإثارة للأحقاد وتأليب لشعوب الأرض، لا معنى لاستعدائها إلا المزيد والمزيد من القتل من كلا الطرفين.
واستطرد الحميدي قائلا "صدّر البخاري ـ رحمه الله ـ وهذه نقطة جدا مهمة ـ كتاب الجهاد والسير بآية من سورة براءة العظيمة التي تعتبر من أعظم الآيات الدالة على فضل الجهاد، قال الله تعالى: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك الفوز هو العظيم" , ثم وصف هؤلاء المجاهدين، من هم؟ قال: "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر" ثم قال: "والحافظون لحدود الله".
وأشار الحميدي: لو لاحظنا سياق الآية في صفات هؤلاء الذين وصفهم الله، جميع الصفات ذكرت بدون حرف عطف: التائبون العابدون الحامدون، بدون ذكر الواو، إلا لما جاء عند "والحافظون لحدود الله" أدخل حرف العطف الواو، وهذا ـ كما يقول أهل التفسير ـ زيادة المبنى لا بد أن تدل على زيادة المعنى، فلا بد هنا من معنى زائد وهدف قرآني في كلام الله ـ جل وعلا ـ لما أدخل حرف العطف عندما ذكر الحافظين لحدود الله، وإدخال حرف العطف الواو هنا له وجهان في التفسير كما ذكره أهل التفسير.
الوجه الأول: أنها عطف على الصفات السابقة، ولكن أدخل حرف الواو لينبه على عظيم هذه الصفة، وأنها هي الضابطة وهي الموجهة لحفظ حدود الله وشريعته ومقاصد الشرع في فكرة الجهاد، وفي أعمال المجاهدين وفي أخلاقهم وتصرفاتهم وما يحقق هذه الحدود وهذه الضوابط دون ما لا يحققها، وأعجبني كلام للقرطبي قال: إنما جاء هنا بكلمة "حدود الله" ولم يقل والطائعين لله مثلا، إنما ليبين أن الجهاد كغيره محدود بحدود وضوابط وقواعد وشرائع.
شروط وحدود وموانع الجهاد
وحول ما إذا كان الجهاد عبادة كالصلاة والزكاة والصيام لها شروط ولها حدود ولها موانع، وشروط وحدود الجهاد، أوضح الحميدي أن الجهاد هو من أعظم العبادات بلا شك، وشروطه هي حدود الله "والحافظون لحدود الله"، ولذلك الوجه الثاني من تفسير الواو قد يجيب على بعض السؤال, وهو أنه أتى بهذه الواو لأنها ليست هي حرف عطف ـ كما اختاره بعض المفسرين ـ وإنما استئناف، ذكر الجهاد والمجاهدين في آية "إن الله اشترى" وذكر شيئا من صفاتهم التوبة، وكذا ثم ذكر فئة أخرى هي القيمة على أعمال هؤلاء، هي الموجهة لها، المبينة لها، ما هي الحدود، وما الشروط، وهم الحافظون لحدود الله، وهم العلماء الحافظون لشرع الله ودينه وشروط الأعمال التعبدية، كما حفظوا تفاصيل الصلاة وما ينقضها وما يبين صحتها، وأمور الصيام وأمور الحج، فإذا استرشد أولئك المجاهدون وضبطوا أفعالهم بتوجيه أهل الكتاب الهادي، الحافظين لحدود الله حصلت المقاصد الكبرى، وهنا قضية جدا مهمة أرجو أن نعطيها قدرا من التأمل، فالإنسان تتحكم فيه دوافع ونوازع ما يستطيع هو، هكذا كان من أصل خلقته وجبلته، يقول علماء سابقون، وأصحاب دراسات نفسية أيضا يؤكدون ذلك ممن درسوا علوم النفس والدوافع التي تتحكم في الإنسان، تتحكم في الإنسان دوافع تخرج وتتفرع من ثلاثة دوافع أساسية يسمونها القوة الشهوانية أوالقوة الغضبية أوالقوة العقلية.
تفسير القوى الشهوانية والغضبية
يشير الشيخ الحميدي إلى أن الإنسان مجبول على شهوات، يحب المال، يحب الشأو والظهور، يحب مثلا النساء ، ويحب كذا ويحب كذا، في شهوات فإذا استجاب لشهواته وتحكمت فيه هذه الشهوات صارت مسيطرة عليه، القوة الشهوانية عنده، فهذا في الغالب لا يرعى شرعا ولا يرعى أن هذا مما حرمه الله ولا أن هذا حد من حدود الله لأن القوة الشهوانية تدفعه إلى ذلك.
أما القوة الغضبية فهي التي تتعلق معنا بباب الجهاد، الجهاد قتال وحرب وهو كره للنفوس "كتب عليكم القتال وهو كره لكم"، فلا يتقدم له في الغالب إلا من هم مجبولون أصلا على الشجاعة والقوة، قوة القلب وقوة النفس لأنه أهوال عظيمة، فصارت القوة لمن يفعلون هذا الأمر هي القوة الغضبية، والقوة الغضبية إذا لم تنضبط بالحافظين لحدود الله، تصبح مثل القوة الشهوانية تدفع إلى تجاوز حرمات الله وحدوده في هذا الباب، وبنى على ذلك مقصدا كبيرا من مقاصد الجهاد، الجهاد شرع لتكون كلمة الله هي العليا، شرع حتى لا يعبد إلا الله سبحانه وتعالى بشرع الله، شرع لاستنقاذ المستضعفين "ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان" حين لا يستطيعون ولا يهتدون سبيلا، شرع لمقاصد عظيمة، فإذا كان القائمون به تغلب عليهم القوة الغضبية وتجتمع معها القوة العقلية بالإعجاب في الرأي ليقود إلى القوة الغضبية، بالتالي سينغلق عليه الهدف الحقيقي من الجهاد فتتحول نوازعه النفسية إلى الانتقام بالقسوة وبإحداث أكبر قدر ممكن من الرعب مثلا، وبإثبات الوجود للموجودين وبالتالي أن نحدث أكبر قتل للموجودين.
والقوة العقلية يفلسف ويلبس هذه القوة الغضبية الشهوانية مقاصد شرعية ويعجب بها، فينغلق عليه الصناع من غيره من الحافظين الحقيقيين لحدود الله من العلماء، وربما انقلب عليهم متهما لهم فتقع المفاسد الكبرى ويتجه من الجهاد المرضي لوجه الله، ومن ذروة سنام الإسلام ويحقق الغايات الكبرى إلى أداة قتل مع ما يجتمع على ذلك من التشوية العظيم وإساءة الظن بهذا الاسم العظيم الذي اسمه الجهاد، لأنه وظف في غير مكانه بدافع القوة الغضبية والقوة العقلية بإلباس المقاصد الشهوانية والمقاصد النفسية الانتقامية وغيرها من لبوس المقاصد الشرعية، ويصبح في موضع التهمة، وفي موضع سوء الظن سواء من كثير من أصحابه وحتى من خصومهم وأعدائهم من الكافرين، فيلصق بالإسلام سوء عظيم وشر كبير، وقد يقول قائل، قد يسأل الشاب هل يعقل أن شخصا يقدم على الحرب ويقدم يعني على الوغى ويلقي بنفسه في مواضع الهلاك، وتكون له أغراض نفسية وشهوات ولا يكون مقصده الفعل العظيم، القتل وحرب فيه إزهاق النفوس، القتل والموت من أعظم مكروه الآية تجر عليهم في تصورهم إلا الخلص نعم قد يتجرأ عليه وهو قد يكون أكثر حماسا له من تدفعه القوة الغضبية، وليس هذا الكلام من فراغ أو كلام خيالي، وإنما واقعي ويصدقه الواقع.
الجهاد اسم عام له فروع كثيرة
وعما إذا كان الجهاد كما يفسره البعض أنه القتال بعينه؟ أشار الحميدي إلى أن الجهاد ليس القتال بعينه بل إن الجهاد اسم عام يدخل فيه فروع كثيرة، أولها وأساسها هو جهاد النفس في طاعة الله ومجاهدة النفس عن الوقوع في معصية الله.
الجهاد بين القتل والقتال
وحول المفهوم الدارج في المجتمع بأن الجهاد لنصرة الإسلام والمسلمين ولنصرة المستضعفين يتجه مطلقا في فكر كثير من الناس إلى القتال والقتل بالذات وليس إلى القتال فقط، نفى الحميدي أن يكون الجهاد هو القتل, مضيفا "الجهاد جهاد النفس، كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" مع أن الهجرة قد يفهم منها الانتقال من مكان إلى مكان من دار الكفر إلى دار الإسلام، لكن المهاجر عما نهى الله عنه هو مهاجر في كل حياته إلى أن يموت، وما نهى الله عنه هو شهوات في الغالب، كذلك ـ كما أشرت إلى القتل والقتال ـ ليس القتل من القتال في شيء، قد يستوجب القتال لدفع عدو صائل، لدفع شر معين، لدفع فئة باغية بقدر ما يدفع الشر ويوقفه، أما القتل العيني بذات الشخص غير مقصود حتى في حروب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الكفار، ما كانوا يجهزون على جريح، ولا كانوا يقتلون أسيرا، ولا كانوا يتبعون مُدبرا في الغالب، وإنما اكتفوا بكسر شوكة الكفار عندما يصلون إليهم دون القتل العيني المقصود بذاته، والأبلغ من ذلك هو عبرة عظيمة تؤصل إلى ما تدعو إليه، نحن نعرف ما حصل للنبي والصحابة يوم أحد بعد أن انقلبت المعركة رأسا على عقب عليهم، ووقعت مقتلة عظيمة لكبار الصحابة على رأسهم سيد الشهداء حمزة ـ رضي الله عنه ـ ووصل الأذى إلى شخص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شج وجهه الشريف وكسرت رباعيته وأسنانه ودخلت حلقتان من حلقات المغفر في وجنتيه، وجعل يمسح الدمع عن وجهه.
الجهاد ومفاهيم التربية
وعن تربية الأبناء والمجتمع بأن يكون الجهاد في كل حركاتهم وسكناتهم سواء طلبهم للعلم أو في صناعتهم وإنتاجيتهم ومدى اعتقاد أن هذه المفاهيم تشمل أيضا مفهوم الجهاد؟ أوضح الحميدي أن الجهاد له مفهوم واسع ويستطيع المسلم أن يجعل كل ما يفعل وكل ما يأتي ويضر يدخل في باب التعبد والعبادة لله، ويحقق له أعظم الثواب والأجر عند الله سبحانه، حتى أفعاله التي يفعلها بحكم الطبيعة والجبلة البشرية كطعامه وشرابه ونكاحه وزواجه ومعاشرته لأهله ونومه ـ فضلا عن ممارسته للتجارة وكسبه الرزق الحلال.
الهروب من العمل الكبير
وحول قصور الفهم في أن الجهاد يعني القتال للرقي بالأمة والانتقال بها إلى مكمن العزة والنصرة، أو أنه مصطلح شرعي، يندرج تحت النص الشرعي أو المفهوم الشرعي أو الرأي للجهاد في سبيل الله؟ أشار الحميدي إلى أن هذا قد يكون هروبا من العمل الكبير لتربية النفس والصبر على حدود الله والقيام بأمر الأمة، كل في مجاله، هروب ـ كما يقال هروب للأمام ـ يقول أذهب وأقتل نفسي وانقتل هنا وأحصل على كذا، ليس هذا أبدا مقصودا ومن يتأمل شرعية الجهاد في السنة النبوية يرى هذا ظاهرا.
وعن تفسير الآية الكريمة "قاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ؟ استطرد الحميدي "حتى لا تكون فتنة" وانظر"الدين كله لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين", وقضية قتل لا للنفس ولا لغيرها مقصودة.
الجهاد وسيلة لغاية
وحول غاية ووسيلة الجهاد وأنه لا ينحصر في القتل فقط أكد الحميدي أن الجهاد ليس للقتل ولا حتى القتال هدف بذاته، وإنما هو وسيلة لغاية, إنما هو لنصرة الكتاب الهادي لإبلاغه لمن يمنعه، ويحرم الناس منه، لا لقتل الكفار كقتل مقصود بذاته لأشخاصهم وأفرادهم, ففي صحيح البخاري، أخرج البخاري حديث سهل بن سعد الساعدي قال: التقى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه مع المشركين وتحاربوا وتقاتلوا وكان في أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل لا يدع للمشركين شاذة ولا فاذة إلا تتبعها بسيفه، حتى قال الصحابة وهم كبار المجاهدين وكبار الشجعان، قالوا يا رسول الله ما أبلى أحد اليوم مثل ما أبلى فلان، فصعقهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفاجأهم بخبر ما يخطر على بال، هذا المقاتل الصنديد والمجاهد العنيد مع رسول الله وتحت رايته الشريفة المباركة، وبذل الجهد العظيم في قتال الكفار، يقول عليه الصلاة والسلام أما أنه من أهل النار، فصعق القوم حتى قال بعضهم ـ كما في بعض ألفاظ الحديث ـ ومن سيكون منا من أهل الجنة إذا كان هذا من أهل النار؟ فقال بعض الصحابة لا بد هناك أمر سأتبع أمره، وأنظر ما شأنه، فتبعه وكان على حاله حتى كان من آخر النهار، أصابته جراح فاستعجل الموت فجعل ذباب سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فمات منتحرا قاتلا لنفسه، فجاء ذلك الصحابي للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: أشهد أنك رسول الله، قال وما ذاك، قال: الذي قلت عنه في النار حصل له كذا وكذا، قال: قم يا بلال فأذن في الناس أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة، وإنما الأعمال بالخواتيم، إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة.
حرمة شعيرة الجهاد
وعن كيفية الحد من التعدي على حرمة شعيرة الجهاد والتي يجب ألا يعتدى عليها وحتى لا يصور الإسلام بصور غير شرعية, لفت الحميدي إلى أنه تقع الكوارث العظيمة على الأمة والإسلام بحيث ربما يظن الظان أن هذا من أعظم النصرة لله، ونزل القرآن، الآية نزلت في هذا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ ... "، حتى لو كنتم باسم سبيل الله وباسم الجهاد تبينوا، انضبط بضوابط الشرع في مقاصدك وأعمالك ولا تقول لمن ألقى السلام إليك لست مؤمنا، تبتغي عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة إن كنتم مؤمنين فمن الله عليكم فتبينوا.