يندفع أحمد (25 عاما) على كرسيه المتحرك وسط جموع كبيرة من النساء والرجال والأطفال، حيث ينسل من بين المئات ليأخذ مكانه في خيمة سوق عكاظ في الوقت الذي كان أحد الشعراء المشاركين يلقي قصائده على المنبر.

هذا الشاب ضمن مئات من مختلف الأعمار (من الجنسين) الذين يرتادون خيمة فعاليات المهرجان ليحضروا ـ ربما لأول مرة ـ فعالية ثقافية تقدم بالفصحى، فعندما تتفحص الوجوه تجد البعض مصغيا، والبعض الآخر يسأل من حوله.. من هذا وماذا يقول؟.

أحدهم ـ في الخامسة عشرة من عمره تقريبا ـ يشير إلى لوحة تتصدر واجهة الخيمة، ويقرأ بصوت عال ليسمعه جميع أفراد عائلته عبارة "ملتقى الحياة"، وهي شعار السوق لهذا العام، ويسأل والده "ايش يعني". وعلى الرغم أن الأب لم يعلق واكتفى بدفع بقية أفراد العائلة إلى داخل الخيمة وهو يؤكد عليهم بالتزام الهدوء، إلا أن تساؤل الابن سيبقى بالتأكيد معلقا في ذهنه. وبالطبع فتلك العبارة لم تلفت نظر هذا الشاب فقط، فقد أبدى الناقد التونسي الدكتور توفيق الزيدي إعجابه بمضمونها الذي يحوي بالتفاؤل والمستقبل، وذلك أثناء مشاركته في ندوة نقدية عن طرفة بن العبد مساء الأربعاء المنصرم.

والحقيقة أن الحركة والصخب الذي تحفل به جادة السوق مؤشر واضح على أن هذا المهرجان "ملتقى للحياة"، فأنت تشاهد وتسمع على الجادة كل ما يعكس أنماط الحياة خارجه، ولكنه يتميز بتأسيس ثقافة اجتماعية جديدة، ترى الفنون والإبداع جزءا لا يتجزأ من حياة جميع الناس، في كسر لقاعدة "النخبوية" التي تجثم على صدر المؤسسات الثقافية. إذن ما العلاقة بين "ملتقى الحياة" و"طرفة بن العبد"؟. يؤكد الكثير من الحاضرين (أكاديميين ومثقفين ومبدعين) أن التقاء تلك الأعداد الكبيرة من البشر في مكان يقدم الثقافة والفنون والتراث، سيؤسس في حال استمر تطوير السوق، لثقافة اجتماعية جديدة، بل يذهب البعض إلى مفهوم "تطوير وتغيير مفاهيم اجتماعية سائدة ضد كل ما يتعلق بالثقافة". ويدللون على ذلك بأنك تلحظ في كثير من الوجوه "دهشة" وهي تستمع لمحاضرة عن الاستشراق مثلا، أو أثناء التجول داخل معرض مسابقة الخط العربي والتصوير الضوئي.

هذه الدهشة هي مفتاح المستقبل لولوج أبواب فكرية واجتماعية جديدة، وخصوصا إذا أتت من شاب أو شابة، ينظران للمستقبل والتغيير بشكل جدي وعملي. ولعل اختيار شخصية الشاعر طرفة بن العبد، ليكون محور مهرجان هذا العام، يأتي في هذا السياق، فهو الشاب الذي كان يتطلع لمستقبل أكثر تغييرا ووعيا، فقد ثار

ـ كما سمع من حضر الندوة النقدية التي أقيمت عنه ضمن فعاليات السوق ـ ضد بعض الممارسات الاجتماعية غير الصالحة لزمنه كما يرى، وحاول التغيير في طريقة التعاطي معها.

السؤال هنا: هل سيكون سوق عكاظ من أدوات تغيير المفاهيم تجاه الفعل الثقافي في بلادنا؟. وهل سيعزز نجاحه في استقطاب أعداد كبيرة من مختلف الأعمار والاتجاهات الفكرية والاجتماعية، بنقلة اجتماعية جديدة تتعاطى مع الفكر والثقافة على أنها "حياة جديدة"؟.

المؤشرات التي ظهرت هذا العام توحي بذلك، ولكن الأمر يحتاج إلى تظافر الجهود والأفكار من أجل ذلك، وقد أعلنها أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية على المهرجان الأمير خالد الفيصل في لقائه بضيوف السوق، بأنه ينتظر الآراء والمقترحات والجهود التي تجعل السوق ملتقى للفكر والثقافة في العالم العربي وخارجه.