كانت دبي يوما تضج بصخب الرافعات وعمال البناء؛ لكنها اليوم تمتلئ بهمهمة عمال أكثر هدوءا إذ تحولت الإمارة الخليجية المعروفة بمشروعاتها العقارية الباذخة ونمط الحياة المبهرج إلى مدينة لمدققي الحسابات.
ويواجه المحاسبون والمحامون التابعون للإمارة مهمة تضاهي في ضخامتها طموحات دبي بينما ينكفئون على دراسة أزمة الديون التي تفجرت العام الماضي. واتفقت مجموعة دبي العالمية على سداد ديون قدرها 25 مليار دولار وهي قروض كادت تقوض اقتصاد الإمارة.
وتتمثل مهمة المدققين في البحث على وجه الدقة بشأن أين ذهبت الأموال، ومن تربح من من، وما الألغام المالية الأخرى التي قد تكون في الطريق؟. وتأتي التدقيقات القانونية في الشركات شبه الحكومية مثل دبي القابضة في إطار تحقيق أوسع نطاقا بشأن الفساد استهدف شخصيات كبيرة تعود إلى سنوات الطفرة في دبي.
وفي الوقت الذي يعمل فيه المحاسبون للوقوف على حقيقة هذه الفوضى المالية فإن دبي تتغير. وقد شجع إنقاذ أبوظبي للإمارة على أن تكون دبي أكثر تحفظا من الناحيتين السياسية والاجتماعية. فقد أسفرت أزمة دبي عن انتقال النفوذ إلى حكام أبوظبي الأكثر ثراء بين إمارات الدولة السبع.
والآن بدأت دبي تستعيد بعضا من ثقتها في ظل سعيها لإقناع المستثمرين العالميين بقدرتها الآن على الوفاء بما عجزت عنه في العام الماضي.
لكن يبقى السؤال.. هل ستستطيع دبي يوما تحقيق النمو الذي كانت تتفاخر به؟ أو مع الأخذ في الحسبان أن الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على التجارة والسياحة.. هل يمكن أن تنزلق مجددا إلى إسراف الماضي؟.
يقول كريستيان كوخ مدير الدراسات الدولية بمركز الخليج للأبحاث: "نموذج نمو دبي الذي جرى الحديث عنه والترويج له كثيرا في الإعلام.. كل هذا تغير الآن".
وأردف قائلا: "أجبرت الأزمة دبي على اتباع منهج أكثر واقعية".
وفي 25 نوفمبر عندما وصلت التزامات دبي إلى 59 مليار دولار أو حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي للإمارات أطلق المسؤولون أخيرا جرس الإنذار.
وكان موعد استحقاق أول التزام قد يتأثر ـ صكوك بقيمة 3.5 مليارات دولار من شركة نخيل العقارية التابعة لدبي العالمية ـ في 14 ديسمبر.
وعبر مستشار سابق لدبي العالمية عن الأمر باقتضاب قائلا: "نخيل كانت برنامج استثمار هرمي بشكل أساسي. حصلوا على المال من بيع مشروع كبير واحد.. جزيرة نخلة واحدة.. واستخدموه في دفع تكلفة مشروع آخر".
وقال مصدر مطلع على إعادة الهيكلة: "شكلت نخيل صدمة هائلة". وتابع: "توجهت دبي إلى أبوظبي وقالت.. لدينا هذه الشركة التي تسمى نخيل وهي في حالة مزرية لدرجة أنها قد تقوض اقتصادنا بالكامل ولم يكن أحد يعلم بالأمر". و"كانت دفاتر نخيل في حالة فوضى". وقال المصدر: "قالت أبوظبي.. دعونا نسدد هذا الاستحقاق إلى أن تتوصلوا إلى خطة أفضل". وأردف: "كانوا يقولون دوما إننا سعداء بتقديم المساعدة.. نريد فقط أن نرى خطة".
وقال محمد ياسين مدير الاستثمار بشركة كاب إم للاستثمار في أبوظبي: "بشكل ما أصبح الخط الأحمر الفاصل بين المتعامل والمؤسسات الحكومية ضبابيا جدا".
وقال المستشار السابق لدبي العالمية: "لم يعلم أحد بحجم المديونية.. ومن ثم مدى تعقيدها". وأضاف: "قلة الخبرة والكبرياء جعلا من الصعب الاعتراف بالهزيمة".
لكن ثمة علامات على عودة الثقة، فقد قالت شركة نخيل العقارية: إنها ستستأنف أعمال البناء في مشروعات الشهر المقبل. وبعد مرور سنة عادت حكومة دبي إلى أسواق السندات بإطلاق سندات بقيمة 1.25 مليار دولار على شريحتين. وتشير أحاديث أولية إلى أن طلبات الاكتتاب في الإصدار تجاوزت المعروض بكثير.
وحول مدى سهولة انزلاق دبي إلى أساليبها القديمة السيئة يقول المستشار السابق لدبي العالمية الذي ينتقد عودة الشعور بالرضا بعد عام فقط من الأزمة: "يعتقدون أن المشكلة انتهت الآن". وتابع يقول: "المشكلة لم تحل.. ما زالت الديون كما هي. سيتعين عليهم دفع نفس المبلغ لكن في موعد أبعد".
ومع أن دبي أصبحت مهيضة الجناح إلا أنها مازالت تقوم بخطوات كبيرة.
وقال المصدر المطلع على إعادة الهيكلة: "كل شيء يجري بشكل متحفظ للغاية الآن.. الهدف هو أن يكون مستندا على تحليل عميق للقطاعات الحقيقية".
وأضاف: "عندما تسنح الفرصة ستذهب دبي إلى نفس المستوى السابق. سيحاولون دائما الذهاب إلى أبعد ما يمكنهم بخصوص شيء ما".