يقول المثل "الأم الحقيقية هي التي تربي لا التي تلد"، أقول ذلك بمناسبة قصة (سين) كما رمزت لها عكاظ التي نشرتها منذ أكثر من أسبوع؛ فهي أم حملت سفاحا بطفلة؛ وأنجبتها خلال فترة محكوميتها بالسجن والجلد جراء هروبها من بيت والدها وفعل الزنا مع شخص أغواها في ظل معاناتها من التفكك الأسري؛ وبعد ولادتها للطفلة تم تسليمها للشؤون الاجتماعية وعمرها لا يتجاوز شهرا وعشرة أيام؛ وبعد مضي عشر سنوات من تنازلها عن الطفلة التي احتضنتها أسرة كريمة؛ تأتي الأم الآن وتطالب بتسليم ابنتها البالغة عشر سنوات لها، مع العلم أني فعلا حزينة لأجلها ولمعاناتها كونها ضحية أسرة مفككة رمت بها في طريق الخطيئة والسجن.
عاطفيا ربما أتأثر بقصة الأم الباكية التي تبحث عن طفلتها بعد السجن والجلد والنبذ الأسري والاجتماعي، وضياع مستقبلها الحالي فلا زوج ولا أسرة؛ إذ الطفلة الآن بمثابة نافذة أمل أو حياة لها تمارس خلالها على الأقل أمومتها وتشعرها بالسعادة؛ ولكن ماذا عن الطفلة نفسها التي كبرت عشر سنوات في حضن أسرة ترعاها كابنة لها رعاية جعلت منها من المتفوقات دراسيا و المثاليات!؟ أقول ذلك لأن مصدرا مقربا من الأسرة أوصل لي معلومات دقيقة مفادها أنها تدرس في مدرسة من أرقى المدارس الخاصة؛ كما أن الأبوين المحتضنين حين تسلماها وعمرها يقارب الشهرين كانت لهما الابنة التي أغدقا عليها اهتمامهما وأموالهما؛ فلم يبخلا بشيء أبدا عليها؛ وصرفا على تعليمها أضعافا مضاعفة من الراتب الشهري الذي يتسلمانه من الضمان الاجتماعي والمخصص للطفلة؛ كما أنه وتقديرا لنفسية الطفلة تم إخبارها بأنها يتيمة وليست ابنة حرام، ما جعلها تتربى بشكل طبيعي دون نظرة حادة ودونية من المجتمع الذي ينبذ هؤلاء الأطفال مع الأسف الشديد؛ والآن هي من المتفوقات والمثاليات وتتمتع بحياة كريمة في كنف والديها المحتضنين؛ بالله عليكم بعد كل ذلك كيف سيكون مصير هذه الطفلة إذا تم تسليمها لأمها التي تعاني من الفقر ونبذ أسرتها المتفككة أصلا ومستقبل مظلم؟! كيف يمكن نزع الطفلة من بيت عائلي فتحت عيناها فيه على أبوين حنونين لعشر سنوات اعتبرا كل شيء يملكانه لها؟! كيف ستكون نفسية الطفلة المتفوقة في مدرستها حين تتحول إلى منطقة فقيرة أو شعبية وتفقد صديقاتها اللاتي ستتغير نظرتهن لها بناء على ظروف والدتها المادية وظروفها كطفلة سفاح؟! كيف ستكون نفسيتها بعد أن تكتشف أنها ابنة حرام وعليها أن تعود لأسرة لا تعرف فيها أبا بل أما كانت سجينة وفقيرة تنبذها أسرتها!
وهنا في مقالي بكل تجرد من العاطفة أقول لوزارة الشؤون الاجتماعية وعلى رأسها الوزير الدكتور يوسف العثيمين لا تردوا الطفلة لأن مصلحتها هي الأهم والأولى، فنحن نحتاج لمواطنة صالحة قد تكون عالمة أو طبيبة يوما ما؛ وليست المصلحة هنا إشباع عاطفة الأم التي أتمنى مساعدتها لتكون مواطنة صالحة تبدأ حياة جديدة بإعانتها على تكوين أسرة؛ وأناشد الأم أن تترك طفلتها تتمتع بحياتها وتفوقها؛ فعشر سنوات أخرى لا تضر إن كانت فعلا تحبها؛ على الأقل لتبلغ أشدها، ولهذا أقول لا تردوها لأمها؛ فنحن لا نريد تحويلها إلى ضحية ثانية قد تلقى نفس المصير لأمها في ظل ظروفها الأسرية الصعبة.