أتساءل هل يحق لأي شخص إطلاق لقب محتسب على نفسه ثم رفع دعوى حسبة لرأي لم يعجبه؟! ومن وكلّ جماعة المحتسبين الذين رفعوا دعوى على الشباب الذين ظهروا في قناة MTV الأمريكية عن المجتمع السعودي برمته؟! وأليست هيئة التحقيق والادعاء العام هي المخولة لرفع قضايا الحق العام حسب القانون؟! وألا يفتح إطلاق دعاوى الاحتساب على عواهنها الباب للفوضى والتلاعب والتقدم بدعاوى احتساب كيدية؟! يفترض أن يتوجه المحتسب للمخطئ بالموعظة الحسنة ومن ألزم شيمه الرفق ولين القول عند النصح، فجوهر الحسبة هو التقويم والإصلاح وليس الاستعداء! وحلول إشكاليات اختراقات الهوية ومسخها عند شريحة الشباب لا يكون عبر رفع القضايا وتأليب الناس وشحنهم، بل يكون عبر الحفر عميقا في أصل الداء، والبحث عن وسائل ناجعة لتعزيز الهوية وربط الأجيال الشابة بقضايا أمتها، فتخويف الشباب وقمعهم عن التعبير عن رأيهم سيقلص العرض الظاهري ولكنه لن يقضي على المرض! ربما أساء لنا نموذج الشاب (عزيز) ولكن يجب أن نعترف بالحقيقة اللاذعة المرارة، فهذا النموذج يجسد واقع بعض من شباب السعودية فهمهم الأوحد هو العلاقات مع الجنس الآخر، ولا أدل على ذلك من انتشار المعاكسات بكل الطرق الممكنة! كما أن بوصلة البحث عن الهوية الضائعة كثيرا ما تتوجه إلى الوجهة الخاطئة، كما ظهر مع الشباب المستميت - في البرنامج - ليقيم حفلته الموسيقية حتى لو كان عبر شد الرحال إلى دولة أخرى! مما يثبت أن سياسة العصا والرقابة والانغلاق على الذات تشكل أفرادا فاقدي المناعة يسهل اختراقهم وغزوهم فكريا وثقافيا ليصبحوا أداة للتطرف بشقيه! دعونا أيضا نقر أن فئة الشباب لا تجد الاهتمام الكافي، وليس هناك خطط لامتصاص طاقاتهم وتوظيفها عبر استغلال حماستهم في المشاركة الشعبية والعمل الاجتماعي المنظم! فلماذا لا نوفر لهم أولا وسائل التعبير عن آرائهم داخليا قبل أن نتهمهم بالتوجه للخارج للتحدث عن قضاياهم؟! ناهيك عن تجاهل الجانب الترفيهي وأهميته في حياة الشباب، وحواجز المنع لأية نشاطات ثقافية فنية يفرغ فيها الشباب طاقاتهم! ناهيك أيضا عن إقصاء المرأة وتهميشها وعزلها عن الشأن العام والتباس الأعراف بالدين! ورغم أن اللون الأسود في الحجاب ليس تشريعا لا يجوز مناقشته، إلا أن قضية المرأة ليست عباءة مشجرة أو ملونة ولكن رفع الوصاية عنها وتمكينها من حقوقها المدنية كاملة غير منقوصة. ختاما: شباب البرنامج ليسوا فقط عزيز ولا جوقة الزعيق الموسيقي، ولكن للصورة جانب مشرق يمثله الشاب (أحمد صبري) بحسه السياسي ووعيه المدني والمجتمعي العميق، فكيف نجرّمه إذا سعى لزيادة المشاركة البلدية عبر القنوات الرسمية؟! فضلا على حراكه الإيجابي في قضية أمتنا الأهم وكذلك قضية المرأة، فهو نفسه الذي وقف موقفا مشرفا مع الوفد الأمريكي بالغرفة التجارية من يومين مضت - كما نشر في الوطن- بإصراره على عدم فصل الجانب السياسي عن الاقتصادي ومناقشة سياسة أمريكا المنحازة دوما لإسرائيل! مما يذكرني بموقف طالبات دار الحكمة المشرف إبان لقائهن مع وزيرة الخارجية الأمريكية، عندما رفضن التحدث عن قضية المرأة السعودية معها وقدن دفة الحديث للقضية الفلسطينية وموقف أمريكا المناصر والداعم أبدا لإسرائيل!