حينما أويت إلى فراشي في تمام السادسة لإشراق صباح السادس والعشرين (رمضان).. لم يكن في ذهني شيء عن(عكاظ). ولا في بالي ساعتئذ اسم من الأسماء الكريمة التي ستحضر في سياق الحديث؛ فمن عادتي غالباً أن أكون خالي البال تماماً لحظة الدخول إلى جنة النوم التي هي من أعظم الهبات للإنسان المخلوق في كبد.
رأيت فيما يرى النائم: أن حسين شبكشي ـ رحمه الله ـ أمام منزله في العمارية الذي لا يبعد عن مطابع محمد حسين أصفهاني ـ رحمه الله ـ سوى جزء يسير من فرسخ تقديراً ، في شارع المطار القديم الذي يمتد بكل تفاصيله تحت سماءٍ بهية في غمرة من الشفافية والحضور الزمكاني الحُلمي. رأيته يخرج من سيارته الفارهة ذات اللون العشبي الهادئ بمساعدة سائقه. فهلَّ وجهه حين رآني مفترا ثغره عن بسمة صافية ودودة ، فأسرعت أقبل رأسه.
أمسك بيدي قائلاً إلى أين يا سيد ؟ ! "البشكه" داخل الدَّار ، دخلنا إلى المجلس الذي يقع إلى يسار الداخل ، كان غاصاً بنجوم الأدب الرُّواد (محمد حسن عواد ـ محمد حسين زيدان ـ ضياء الدين رجب ـ محمود عارف ـ عزيز ضياء ـ عبدالله جفري ـ أحمد صادق) رحمهم الله ـ محمد صلاح الدين ـ بدر كريم ـ عبدالله عمر خياط إبَّان رئاسته لجريدة عكاظ) وكان يتصدر المجلس علي عبدالكريم العبدلي سلطان سلطنة لحج وهو صديق قديم وحميم لحسين شبكشي.
كان الحديث يدور والموضوع الأكثر جدلاً موضوع أدب الشباب وأدب أشياخه ، الذي شغل وسائل الإعلام المقروءة حينذاك.
ورأيت: أن رائد الحداثة محمد حسن عواد يحمل عتباً كبيراً على من يدّعي الحداثة وهو لا يفقه في تراثه إلا النزر العابر وبعض من يدعي أنه من رموز الشعر الحر الذين لا علاقة لهم بعروض الشعر.
ورأيت فيما رآه النائم: أنه يوجه حديثه لشيخ الأدب القاضي ضياء الدين رجب: ما هذه الطلاسم والرموز والأحاجي: فوالله أن بي خشية من قادم الأيام.. إن أولئك الصبية ينكرون علينا وجودنا ويلغون مدارسنا.
ورأيت أن زيدان وهو بجانب عزيز ضياء، يضغط على كتفه ويقول: لا تخافوا عكاظ قادمة وإني أرى زهوها يتـألق من جديد، فأجابه على التو محمود عارف بصوته الجهوري: وأنا أرى أنها لكذلك.
ورأيت هكذا فجأة تحول الحديث إلى شؤون الحياة ومغارمها.. وذكريات لا تخلو من الخوف عليها أن تندثر؛ وأحسست أنني بحاجة لمغادرة المجلس. خرجت من دار حسين شبكشي، وإذا بي وجهاً لوجه أمام الشاعر الفارس الفنان "المعلم" لدار مؤسسة الفكر العربي وفارس عكاظ الفكر/ الأدب/ الشعر حاضراً ومستقبلاً مأمولاً الأمير خالد الفيصل وتحت إبطه رزماً من الكتب والمطويات وكأنها كما بدا لي ، تخص مهرجان عكاظ. فذهلت لهذا الربط البديع.. وإن كانت الصور التي رأيتها في رؤيا إشراق ذلك الصباح، تبدو في ظاهرها غير مترابطة.. لكنها جاءت في سياق رمزي معبر، ومتفق وحديث محمد حسين زيدان، وافقت ولا أدري كيف أفقت! ولماذا؟
كل ما أتذكره أنني رددت أكثر من مرة في فرحٍ باذخٍ: "بخٍ بخٍ يا عكاظ" وهنيئاً لك بخالد.
* كاتب سعودي