أبو الطيب المتنبي رمز شعري، وواحة من المتعة والمغايرة للسائد والمألوف، شاعر تحفيزي يأخذك إلى أقانيم جديدة كحالة ونسيج استثنائي حتى في نرجسيته وغروره، شعره عناق مستمر مع الحياة وضجيجها وصخبها وجنونها، عابر للأزمنة ومهاوي النسيان، يشف شعره عن وميض والتماع ودهشة، فلم تكسر الفلوات والريح العاصفة مدارات طموحه، وشراسة أحلامه، وعنف مبتغاه، حين واجه عجائب الدهر، وغرائب الأمصار، لم تثنه ندوب السلاسل والقيود العمياء عن مرايا المجد، والتوق إلى عالم أنضر وأجمل، والنزوع إلى القبض على الحقيقة الكامنة وراء الأشياء، وخفايا الباطن، فكان مصدراً من مصادر المعرفة، وحضوراً متعالياً وكاشفاً عن جوهر المكنونات الإنسانية، قرأنا في المراجع والمصادر حياته ونسبه فكان هكذا: هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكندي الكوفي، ولد بالكوفة سنة ثلاث وثلاث مئة في محلة تسمى كندة فنسب إليها، وليس هو من قبيلة كندة، بل جعفي القبيلة بضم الجيم وسكون العين، وهو جعفي ابن سعد العشيرة من مذحج». إذاً هو عراقي المولد كما نرى، ولكن الباحث عمر بن غرامة العمروي في كتابه – قبائل إقليم عسير في الجاهلية والإسلام- وبالذات في جزئه الثاني من القسم الأول والصادر عن نادي أبها الأدبي عام 1411هـ يقول: «لقد جمعت ما استطعت من شعراء عسير في الجاهلية والإسلام حتى نهاية القرن الثاني عشر الهجري وأوردت لكل شاعر من المقلين ما عثرت عليه، ومن المكثرين ما يتناسب مع الكتاب، وبعد أن ذكر 83 شاعراً من عسير فقد جعل «أبو الطيب المتنبي» في مقدمتهم كواحد من أبرز شعراء إقليم عسير، معتمداً كما يبدو على ورود اسمين لقبيلتين في نسب أبي الطيب المتنبي هما: الجعف ومذحج، حيث ذكر نشوان الحميري في كتابه «شمس العلوم» أن مساكن الجعفيين ومزارعهم كانت على ضفاف وادي جردان، وقد هاجرت الغالبية العظمى من هذه القبيلة وسكنت بين شقيقاتها عبيدة والنخع ومراد وزبيد في الشمال والغرب من بلاد تثليث، وجاء الإسلام فوفد منهم وفد إلى النبي وبايعوه على الإسلام، ولما جاءت الفتوحات انتقل الجعفيون إلى العراق ونهاوند وبلاد العجم، كما ورد اسم قبيلة مذحج في نسب المتنبي التي ذكرت المصادر أن الخليفة عمر بن عبدالعزيز أمر بتعيين عبدالله الأزدي أميراً على عسير وهو حفيد الصحابي الجليل صرد بن عبدالله الأزدي وكان مقره قرية المصنعة الواقعة على جانب وادي عشران من الشمال في بلاد علكم بن أسلم إلى الشمال الغربي من مدينة أبها، وعندما تولى الإمارة وحد قبائل مذحج ...إلى آخر الرواية التي أوردها الدكتور العمروي مؤكداً «عسيرية» أبي الطيب المتنبي.