يطرح العنوان بعاليه أزمة بعض الشعوب المسحوقة، لا مع أنظمة الاستبداد والقمع فحسب، بل حتى مع مفردات اللغة. طالت بهذه الشعوب أيام – الجمع – حتى بات من الصعب أن تجد الوصف المناسب لأيام – الجمع – المتتالية. في تونس، سقط النظام بعد الجمعة الثالثة، وفي مصر بعد السادسة. وحتى اللحظة مازالت شعوب ليبيا وسورية واليمن ربما على بعد أشهر أو سنين رغم أنها تخطت جُمَعها الاثنتي عشرة على أقل تقدير. أصبحت هذه الشعوب المسكينة في – ورطة – وصار الأمر "شرهة" وعيباً أن تكون أقل من شعبي تونس ومصر أو أن تنسحب من الميادين في منتصف الطريق. صارت تعرف أن القضية باتت أعمق من مجرد صبر ساعة. انسحاب زين العابدين بن علي السريع أوقع هذه الشعوب في – فخ – المحاكاة، وللأسف الشديد، فإن حزني أنها اكتشفت اليوم أن – جمعات – الرحيل باتت كابوساً على هذه الشعوب، أكثر مما هي على الأنظمة الديكتاتورية.

لم يعد الإعلام يسأل: ماذا فعلت هذه الجمع، قدر سؤاله عن عدد القتلى وأخطر ما في – الدماء – مع الزمن أنها تتحول إلى مجرد خبر روتيني، فمن هو الذي يهزه في هذه الجمعة أنباء عشرات القتلى مثل صدمة القتيل الأول ذات جمعة أولى في بنغازي أو درعا أو تعز اليمنية؟ ومشكلة العرب الأزلية أنهم لا يحسنون الوقوف طويلاً في الطابور: تزاحموا على نفس أيام – الجمعة – دفعة واحدة ولهذا ضاعت الدماء الزكية على نشرات الأخبار وأصبح رقم – عشرات – القتلى خبراً ثانياً ثانوياً، لأن – المئات – الآخرين هم من شغل ذات الإعلام في دولة أخرى من دول أيام الجمع المتلاحقة. انتظم العرب في الطابور، فقط، ما بين تونس إلى مصر، وبعدها هبوا دفعة واحدة، ولهذا فهم لم يشتتوا التعاطف والتركيز معهم فحسب، بل افتقدوا أن يكونوا بؤرة الإعلام ومركز انتباهه وحده دفعة واحدة. ربما تورطوا لأن القذافي دخل مبكراً إلى الطابور، ومثله يحتاج إلى الجمعة – الألف – قبل أن يرحل. صمد ومثّل فأصبح نبراساً لبقية الأنظمة التي تعتب اليوم على – بن علي – لأنه استعجل الأمر ودب به الخوف سريعاً رغم أنه كان لا بد أن يعرف أن كبسولة – إدريانيل – علاجية ستحسم الأمر، لأنها ستكسبه هرمون الجرأة للمواجهة. مشكلته ربما أنه استخدمها ليهرب بسرعة مضاعفة فورط من بعده هذه الشعوب.