ليس التصارع والتحارب الديني أو الطائفي قدرا على المسلمين فحسب، بل هناك الكثير من الحروب التي كانت على أساس ديني، واستمرت لسنوات طويلة. فالصراع الذي حصل في أيرلندا الشمالية بين البروتستانت والكاثوليك كان من الأمثلة المعاصرة على ذلك، حيث ابتدأ في 1969م ولم ينتهِ إلا باتفاقية الجمعة السعيدة (Good Friday Agreement or Belfast Agreement) كما أطلقوا عليها في 2001م. وقد كان يُذكي الصراعَ عدةُ عوامل، منها السياسية والوطنية أو العرقية والدينية أو الطائفية وغير ذلك، إلا أنهم في النهاية استفادوا من دروس الحرب وتوصلوا إلى صيغة اتفاق وهم الآن يعيشون بسلام.
لنعد إلى منطقتنا في الشرق الأوسط، حيث تكثر الحروب والصراعات، وتكثر الأمّيّة (بكل صورها؛ الأمية الكاملة وشبه الكاملة) وتتعدد الانتماءات والولاءات بين أبناء البلد الواحد. ويجلب ذلك ويغذيه الاستغلال الأيديولوجي من أطراف في الداخل والخارج، وللأسف يكون الضحية في النهاية البلدان والمواطنين. ومعلوم عند السياسيين كيف تصبح النتيجة عندما تدخل الأيديولوجيا في الصراع، وتطغى على تفكير وخيال الأتباع! إلى درجة قتل النفس التي هي أغلى ما يملك الإنسان لأجل تلك الآيديولوجيا. وكثيرا ما يكتشف أولئك بعد بُرهةٍ من الزمن أنهم إنما كانوا ضحية لأطماع أو أفكار آخرين لا تستحق كل تلك التضحيات.
إذا نظرنا إلى تاريخنا الطويل، وما جرى من صراعات بين السنة والشيعة، نجد أن أغلب الصراع كان سياسيا مغذى بالطائفية. والنتيجة من ذلك الصراع مجرد التضحيات والتنافر والتصارع! حيث يبقى السنة ويبقى الشيعة، ومهما حصل من خلاف فهم جميعا أهل دين واحد.
أنا لا أدعو هنا إلى تلك الأطروحات للتقريب المذهبي بين السنة والشيعة، ولا عن مدى صحة هذا أو ذلك، بل أقول يجب علينا أن نجد صيغة للتعايش السلمي بين الجميع، بعيدا عن الخلافات الدينية والفكرية. حيث مصيرنا ومصالحنا واحدة، ويجب أن نتعايش بسلام تحت تفاهم وود الشعب الواحد. مهما مال أيٌ من الطرفين إلى أي اتجاه فالمآل في النهاية أن يعود الطرفان إلى بعضهما وأن يعيشا مع بعض.
بعض المفكرين الذين يقرؤون التاريخ وحركة المجتمعات يرون أن الأمر قد يستمر أكثر في الوطن العربي، وأن منطقتنا ربما تحتاج إلى بعض الوقت الذي قد تتخلله الحروب والصراعات الشبيهة بما حصل في أوروبا أوائل القرن العشرين ـ لا سمح الله ـ حتى نصل إلى الوعي والإدراك الذي وصلوا إليه! ولكن لماذا لا نصل إلى هذه النتيجة من الآن؟ ولماذا الشحن الطائفي؟ ثم مَن المستفيد من كل ذلك؟
بالتأكيد أن حل مثل هذه الصراعات من الصعوبة بمكان، خصوصا في مرحلة تصارع الانجذابات الثورية والأيديولوجية، ولكن هذه الصعوبة تزول عندما يتكوّن تيار قوي وعلى مستوى عالٍ من الإدراك والوعي من كلا الطرفين، ويقودالدفّة بشجاعة نحو السلم والتفاهم، حيث لا يمكن أن تتحول المنطقة إلى الريادة العالمية دون الاستقرار السياسي والوئام الاجتماعي فيها.
وإذا نظرنا إلى دروس التاريخ ودورته؛ نجد أن أغلب الحركات الثورية تنتهي بالزوال، وكثيرا ما تنتهي بعنف، حيث كثيرا ما يفقد الثوريون المؤدلجون توازنهم وتطغى الأفكار والطموحات لديهم على العقل والحكمة، وقليلا ما يستجيبون للظروف المحيطة ويتفهمونها، مما يجعل المراجعات والتصحيح مستعصيا عليهم. لنراقب تحركات الحكومة الثورية في طهران، وكيف أنهم يتصرفون بشكل لا يخضع لمنطق العقل، بل يقتلون المعارضين باسم الأيديولوجيا، التي سترتد عليهم عكسيا بلا شك ولكن كل شيء يأخذ وقته في رد الفعل.
أيُّ ديموقراطية وحقوق تُنتظر من إيران، وهي تنتهكها علنا في بلدها؟ وأصبح حتى بعض قادة الثورة المؤسسين من قبيل الخونة والمارقين، فكيف بمن هم خارجها! ثم إن الفكرة الإيرانية الحالية هي شبيهة بفكرة البابوات في أوروبا المظلمة في العصور الوسطى، فالبابا كان يحكم باسم الله، والمرشد يحكم باسم المعصوم فهو أيضا معصوم من الخطأ حتى لو ظلم وجار! وتصرفه إذاً تعبير عن إرادة الله تعالى! لا شك أن هذا استغلال للدين لأجل السياسية التي يريدها فرد أو جماعة، وأعرف الكثير من الشيعة في إيران وخارج إيران ينكرون هذا، إلا أن سطوة النظام في طهران على رقابهم، ولكن السنن الإلهية ستأخذ دورها ولا بد من اليوم الذي يتحرر فيه الإيرانيون وكذا كل التيارات المرتبطة بإيران من سطوة هذا الاستغلال.
أعود وأقول إن عقلاء السنة والشيعة يجب أن يبحثوا عن صيغة تُمكنهم من إيجاد حل لمشاكلهم، دون اللجوء إلى الآخرين، وأن يشجعوا الاندماج والتعايش بينهم باحترام وسلام، وإلا فإن المستقبل مليء بالمجهول.